احمد الصرايره
عضو vb
-
- إنضم
- 15 ديسمبر 2009
-
- المشاركات
- 4,723
-
- مستوى التفاعل
- 23
-
- النقاط
- 0
-
- العمر
- 41
وصل موكب سمو الأمير عبدالله بن الحسين الى محطة سكة حديد عمان في الثاني من آذار من عام 1921م، وليشرع من حينها في تأسيس الدولة الأردنية وبناء المؤسسات وتقوية الجيش وتحقيق الأهداف الاجتماعية والتربوية والاقتصادية في منطقة عانت الكثير خلال الحقب الماضية... اتخذ سمو الأمير عبدالله بن الحسين داراً متواضعة من البناء العثماني مقابل المدرج الروماني، واتخذ من رابية ماركا مقراً للاستقبال والاحتفالات، ولكن بعد نجاح سموه في مفاوضاته مع الإنجليز التي أدت الى أحداث هامة في تاريخ الدولة الأردنية منها تكوين الدولة الأردنية وبناء المؤسسات وتأكيد الوجود الدولي، والتغلب على كل المخططات والنوايا التي استهدفت الأرض الأردنية، واعتراف بريطانيا بحكومة مستقلة في شرق الأردن اعتبارا من 25 أيار 1923م وتحقيق الاستقرار. بعد نجاحه بادر سموه الى اختيار المرتفع الذي يُطل على وسط المدينة ليكون مقراً لقصر الحكم وقد كان هذا عام 1924م.
قصر رغدان يوم التتويج، 9 حزيران 1999
© أرشيف الديوان الملكي الهاشمي، ميلدوس
اختير مكان القصر في نهاية الهضبة الممتدة والمنفتحة نحو الغرب، وتسمى هذه "بالطهطور" ومعناها اكوام الحجارة الكثيرة والمتراكمة وهكذا كان حال جبل القلعة الحالي الذي هو جزء من جبل الطهطور قبل اجراءات الترميم واعادة البناء لآثار جبل القلعة...
اختار الامير عبدالله اسم رغدان لأول قصر يبنيه تيمنا بالرغد والهناء وكمبعث للأمل والتفاؤل، واراد ان يكون تصميمه ينسجم مع عظمة وتاريخ عمان، ولكن بفخامة تتسم بالبساطة ورونق فيه مسحة من الجمال المستوحى من فنون العمارة الاسلامية في الزخرفة والتشكيل والنقش ابدع المعماريون من دمشق والقدس ونابلس في بناء القصر، وافرغوا خلاصة فنونهم في اخراج البناء الذي تتحدث واجهته الامامية عن طراز البناء الشرقي المزين بالزنابق ورؤوس الرماح والشبابيك القوسية والاعمدة المنحوته والمدخل البهي.
استغرق بناء قصر رغدان ثلاث سنوات من عام 1924م وحتى عام 1927م، ولعل السند في تحديد هذا التاريخ هو استقبال سمو الامير عبدالله للشعراء فيه، وحدث أن احد الشعراء وهو عراقي اسمه عبدالمحسن الكاظمي اورد في ديوانه انه زار قصر رغدان عام 1927م وانشد فيه يقول:
هل مثل رغدان في الورى علمُ
تأوي اليه الدنيا وتلتجئ
اوله للعلا وآخره
منتهى للندى ومبتدأ
لو جرؤ المالكون ان يصلوا
الى اداني علاه ما جرؤا
هيهات لا يرتقي البغاة الى
ما يرتقي في العلا وقد خسئوا
قصر رغدان هو البداية لمجمع العمارة الهاشمية التي تقف بزهو كامتداد لتاريخ العمارة الرومانية التي ان وقفنا في وسط الساحة الهاشمية واجلنا النظر نحو الغرب والاعلى، نرى امتداد سور عمان بحجارته الضخمة واطراف القلعة الكبيرة تتربع فوق جبل الطهطور ولتمتد نحو الغرب تلتقي مع الاعمدة الباسقة التي هي بقايا معبد ومعاصر زيتون وعنب تظلل شوارع مبلطة كانت اسواقاً...
والى جانب الساحة الهاشمية نرى في جوف جبل الجوفة المدرج الروماني الذي يتسع لحوالي سبعة الاف مشاهد، لا زال سليماً منذ بنائه في القرن الاول الميلادي، وامام المدرج الكبير يوجد المدرج الروماني الصغير شبه البيضاوي...
ومع امتداد الساحة الهاشمية وسط المدينة نلاحظ وجود سبيل الحوريات وبقايا آثار الحمام الروماني وكنيسة بيزنطية والمسجد الحسيني الكبير وهو بناء اموي في اصله.
عمان تتميز بتاريخها العريق واختيار الحضارات لها كمقر ومستقر، فكانت العمارة الاموية فوق جبل القلعة التي تميزت بالطراز المعماري الاسلامي الظاهر في القصر الاموي، وفي بقايا المسجد التي تخرج اعمدته من الارض او اثار مصنع صك العملة فيه.
عمان عاشت فيها حضارات الامويين والمماليك ومنها انطلقت الدولة الاخشيدية في مصر، وجميعها تركت اثاراً خلدته كتب التاريخ وروايات الرحالة وادبيات الشعراء...
فكانت العمارة الهاشمية امتداد لتاريخ عريق اتى من تاريخ اصيل يمتد الى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكان قصر رغدان البيت الهاشمي الاول كمقر للحكم والقيادة، فكان قصر رغدان بيت السياسة، تصدر منه قرارات الدولة في شؤون العلاقات الخارجية، وبيت الامة التي هي في وجدان الامير عبدالله، ودار الادب والشعر، ونستذكر هنا آخر ليلة قضاها الملك عبدالله بن الحسين في قصر المصلى في الشونة الجنوبية وكانت في 28 شباط 1951م، كان يجلس هو والشاعر ضياء الدين الرفاعي فخاطبه الملك عبدالله قائلا:
قم معي وانشد الشعر مثلي
ننشد الشعر في ربى رغدان
قصر رغدان اشتهر بمجالس الادب والشعر، فالتقى فيه الشعراء عمر ابو ريشه وعبدالمنعم الرفاعي، وعبدالمحسن الكاظمي، وفؤاد الخطيب، وكامل شعيب العاملي، وضياء الدين الرفاعي، وعرار مصطفى وهبي التل، ومن شعر كامل العاملي في قصر رغدان وهو يدعو للاخوة والعروبة قوله مخاطباً الملك عبدالله إبن الحسين
قم آخ ما بين رغدان وصاحبه
ووفّ عن مصر حق الود رغدانا
وقل لقومك ان العُرب قاطبة
“ له مؤيدة ســراً واعلانــا
و عندما يشتد الخطب في منطقة عربية، يكون رغدان الوجهة التي ياتي اليه الاحرار، كما حصل عام 1939م فشهد القصر مهرجاناً عربياً سياسياً قومياً والقى الشاعران مصطفى وهبي التل وفؤاد الخطيب قصيدة رحبا فيها باسم الأردن بوفود العرب ومما جاء فيها:
جاءت دمشق الى عمان زاحفة
وطالما سادت الاوطان اوطاني
والهاشميون ادرى الناس قاطبة
بأن زمزم والأردن صــنوان
يوم لرغدان من ايام عدنان
اعاد ما كان من عز وسـلطان
قصر رغدان الذي يطل على عمان، واصبح قلبها النابض جاءت حجارته من ارض معان ملفى الامير الاول" وابدع النقاشون في تشكيل الحجارة " واعتمد البناء على اسلوب السقوف المرتفعة في البناء والابواب الواسعة والعالية.
نستذكر من حوادث قصر رغدان انه قد تعرض لزلزال عمان الاثنين في 11 تموز 1927م في فترة اكتمال بنائه لكنه بقي سليماً، وانه في عام 1983م قد تعرض لحريق اصاب سقف قاعة العرش فاتى عليها كلها، واعيد ترميم القاعة والسقف بطريقة اعادت المكان الى شكله الاصلي.
ساحة قصر رغدان الامامية التي تجري فيها المراسم الخاصة هذه كان يستقبل فيها جلالة الملك عبدالله الاول جموع المهنئين، وايضاً يشاهد الخيول التي تأتي اليه خاصة لولعه بالخيول الاصيلة وخبرته فيها حتى انه قد وضع كتاباً خاصاً بها اسماه "الخيول الاصايل"... وعلى يمين الساحة ويسارها نرى مدفعين قديمين هما من صنع بريطاني استخدما في الحرب العالمية الاولى قد اهديا الى جلالته.
مدخل القصر الامامي يطل على الساحة الرئيسية ترتفع درجاته للوصول الى مصطبة ذات سقف مرتفع امام الباب الخشبي العتيق، وترتفع فوق الباب شعاران اثنان هما شعار الدولة الرسمي الذي تم اقراره بموجب قرار المجلـس التنفيذي رقـم (558) تاريخ 25 اب 1934م هذا الشعار الذي تعود فكرة تصميمه الى عام 1921م حين اراد الملك المؤسس ان يكون للدولة شعاراً رسميا.
ندخل من الباب الرئيسي الى بهوٍ مستطيل منه ندخل الى حجرات القصر. على يمين الداخـل ، الحجرة الصغيرة والتي بها ترتفع دكة للصلاة مصنوعة من خشب الزان وارضيتها من خشب البارنيه، وفي هذا المكان كان جلالة الملك عبدالله يقضي اوقاتا للعبادة والتهجد ومن نفس الحجرة الصغيرة يمكننا الدخول الى قاعة مستطيلة ذات ستائر جميلة التصميم وزخرفة علوية بديعة وفيها طاولة مستديرة ذات مقاعد خشبية وهي تستخدم للاجتماعات واللقاءات.
ومن البهو وعلى يسار الداخل ندخل الى مكتب جلالة الملك عبدالله وغرفة الاستقبال وقد كان لجلالته مكتبة فيها نقلت الى مكان آخر للحفاظ عليها
ونشاهد القاعة الواسعة الى جانب مكتب جلالته والتي تتزين بنقوش جميلة في السقف والذي فيه ابيات من الشعر تقول:
ربعٌ تجلى به حسنٌ واحسـان
مذ صار بإبن رسول الله يزدان
سُميَّ برغدان من عيشٍ به رغدٍ
ما ناله في قديم العهد غُمـدان
فيه السيادةُ مرفوعٌ سُرادقها
وللســـعادة في معناه افنان
فإن تسابقه للعَليا ربوع ندىً
حتى تفوق فأرِخْ فاز رغـدان
كتبه سليم الحنفي1343هـ
وحين نتقدم للامام في البهو الرئيسي نصعد درجا اما الى اليمين او الى الشمال لتواجهنا لوحة زجاجية تغطي القوس الاوسط للبناء بكامله وهي من نوع بديع مرسوم وملون بطريقة الفن التشكيلي ، ونترك اللوحة الزجاجية خلفنا لنصعد قبالة قاعة العرش:
قاعة العرش ذات المدخل الخشبي والزجاجي المزين باطار من الرخام المصقول والمرمر الابيض منها ندخل الى ساحة واسعة مرتفعة يتصدرها ايوان بيضاوي خلفيته شبابيك زجاجية ومصطبة ترتفع قليلا، عليها كرسي العرش الهاشمي الذي ما تغير ابداً وبجانبه منضدة عليها زاوية خشبية من فنون الارابيسك لوضع المصحف الشريف او سجل التشريفات، وعلى اليمين علم الدولة الأردنية والى اليسار العلم الهاشمي (علم جلالة الملك المعظم).
قاعة العرش تتسع وتبدو هادئة تضفي جوا من الوقار وانت تتأمل في زخارفها الجميلة ، والمقرنصات في زواياها العلوية، وزخرفة السقف التي تتداخل الرسومات فيها لتشكل لوحة من الفن العربي الاصيل والى يسار الداخل الى قاعة العرش بوابة واسعة ومرتفعة هي مدخل الى استراحة جلالة الملك وتضم بعضاً من الاهداءات لجلالة الملوك الهاشمية منها مجسم لقبة الصخرة المشرفة بمناسبة انتهاء مرحلة الاعمار الهاشمي الثالث عام 1994م.
تتعدد قاعات القصر في الطابق العلوي والدخول اليها عن يمين او يسار باب العرش، وجميعها قاعات للاجتماعات ومكاتب خاصة للتفرغ في النظر في شؤون الدولة، وقاعات للطعام والضيافة، وقاعات للاستقبال، ونشاهدها وهناك زوايا زجاجية وخزائن تخرج من الجدران تضم سيوفاً وقطعاً قد اهديت لجلالة الملوك الهاشمية.
ولكننا نقف عند تاريخ آخر من تاريخ آل هاشم يشهد على التضحية والفداء والاخلاص للقضايا العربية، نقف عند الغرفة الخاصة بالشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، الذي بعد ان قضى ست سنوات في المنفى من عام 1925م وحتى عام 1930م عاد ليقيم في قصر رغدان وقد انهكه المرض والتعب الى ان توفاه الله يوم الثالث من حزيران من عام 1931م ولا زال المقعدان الخشبيان اللذان كانا يستخدمهما جلالته في محلهما، ولا زالت غرفته تفوح بعبق التاريخ والمجد والوفاء...
قصر رغدان الذي ما زادت كلفة بنائه عن (1600 جنيه) هو صورة من صور تاريخ الأردن المشرفة ورمز من المحبة والوفاء والعلاقة الوثيقة بين مؤسسة العرش والشعب الذي ينظر الى الأمل والمستقبل المشرف بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه.
(© جميع الحقوق محفوظة للديوان الملكي الهاشمي - 2003).
قصر رغدان يوم التتويج، 9 حزيران 1999
© أرشيف الديوان الملكي الهاشمي، ميلدوس
اختير مكان القصر في نهاية الهضبة الممتدة والمنفتحة نحو الغرب، وتسمى هذه "بالطهطور" ومعناها اكوام الحجارة الكثيرة والمتراكمة وهكذا كان حال جبل القلعة الحالي الذي هو جزء من جبل الطهطور قبل اجراءات الترميم واعادة البناء لآثار جبل القلعة...
اختار الامير عبدالله اسم رغدان لأول قصر يبنيه تيمنا بالرغد والهناء وكمبعث للأمل والتفاؤل، واراد ان يكون تصميمه ينسجم مع عظمة وتاريخ عمان، ولكن بفخامة تتسم بالبساطة ورونق فيه مسحة من الجمال المستوحى من فنون العمارة الاسلامية في الزخرفة والتشكيل والنقش ابدع المعماريون من دمشق والقدس ونابلس في بناء القصر، وافرغوا خلاصة فنونهم في اخراج البناء الذي تتحدث واجهته الامامية عن طراز البناء الشرقي المزين بالزنابق ورؤوس الرماح والشبابيك القوسية والاعمدة المنحوته والمدخل البهي.
استغرق بناء قصر رغدان ثلاث سنوات من عام 1924م وحتى عام 1927م، ولعل السند في تحديد هذا التاريخ هو استقبال سمو الامير عبدالله للشعراء فيه، وحدث أن احد الشعراء وهو عراقي اسمه عبدالمحسن الكاظمي اورد في ديوانه انه زار قصر رغدان عام 1927م وانشد فيه يقول:
هل مثل رغدان في الورى علمُ
تأوي اليه الدنيا وتلتجئ
اوله للعلا وآخره
منتهى للندى ومبتدأ
لو جرؤ المالكون ان يصلوا
الى اداني علاه ما جرؤا
هيهات لا يرتقي البغاة الى
ما يرتقي في العلا وقد خسئوا
قصر رغدان هو البداية لمجمع العمارة الهاشمية التي تقف بزهو كامتداد لتاريخ العمارة الرومانية التي ان وقفنا في وسط الساحة الهاشمية واجلنا النظر نحو الغرب والاعلى، نرى امتداد سور عمان بحجارته الضخمة واطراف القلعة الكبيرة تتربع فوق جبل الطهطور ولتمتد نحو الغرب تلتقي مع الاعمدة الباسقة التي هي بقايا معبد ومعاصر زيتون وعنب تظلل شوارع مبلطة كانت اسواقاً...
والى جانب الساحة الهاشمية نرى في جوف جبل الجوفة المدرج الروماني الذي يتسع لحوالي سبعة الاف مشاهد، لا زال سليماً منذ بنائه في القرن الاول الميلادي، وامام المدرج الكبير يوجد المدرج الروماني الصغير شبه البيضاوي...
ومع امتداد الساحة الهاشمية وسط المدينة نلاحظ وجود سبيل الحوريات وبقايا آثار الحمام الروماني وكنيسة بيزنطية والمسجد الحسيني الكبير وهو بناء اموي في اصله.
عمان تتميز بتاريخها العريق واختيار الحضارات لها كمقر ومستقر، فكانت العمارة الاموية فوق جبل القلعة التي تميزت بالطراز المعماري الاسلامي الظاهر في القصر الاموي، وفي بقايا المسجد التي تخرج اعمدته من الارض او اثار مصنع صك العملة فيه.
عمان عاشت فيها حضارات الامويين والمماليك ومنها انطلقت الدولة الاخشيدية في مصر، وجميعها تركت اثاراً خلدته كتب التاريخ وروايات الرحالة وادبيات الشعراء...
فكانت العمارة الهاشمية امتداد لتاريخ عريق اتى من تاريخ اصيل يمتد الى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكان قصر رغدان البيت الهاشمي الاول كمقر للحكم والقيادة، فكان قصر رغدان بيت السياسة، تصدر منه قرارات الدولة في شؤون العلاقات الخارجية، وبيت الامة التي هي في وجدان الامير عبدالله، ودار الادب والشعر، ونستذكر هنا آخر ليلة قضاها الملك عبدالله بن الحسين في قصر المصلى في الشونة الجنوبية وكانت في 28 شباط 1951م، كان يجلس هو والشاعر ضياء الدين الرفاعي فخاطبه الملك عبدالله قائلا:
قم معي وانشد الشعر مثلي
ننشد الشعر في ربى رغدان
قصر رغدان اشتهر بمجالس الادب والشعر، فالتقى فيه الشعراء عمر ابو ريشه وعبدالمنعم الرفاعي، وعبدالمحسن الكاظمي، وفؤاد الخطيب، وكامل شعيب العاملي، وضياء الدين الرفاعي، وعرار مصطفى وهبي التل، ومن شعر كامل العاملي في قصر رغدان وهو يدعو للاخوة والعروبة قوله مخاطباً الملك عبدالله إبن الحسين
قم آخ ما بين رغدان وصاحبه
ووفّ عن مصر حق الود رغدانا
وقل لقومك ان العُرب قاطبة
“ له مؤيدة ســراً واعلانــا
و عندما يشتد الخطب في منطقة عربية، يكون رغدان الوجهة التي ياتي اليه الاحرار، كما حصل عام 1939م فشهد القصر مهرجاناً عربياً سياسياً قومياً والقى الشاعران مصطفى وهبي التل وفؤاد الخطيب قصيدة رحبا فيها باسم الأردن بوفود العرب ومما جاء فيها:
جاءت دمشق الى عمان زاحفة
وطالما سادت الاوطان اوطاني
والهاشميون ادرى الناس قاطبة
بأن زمزم والأردن صــنوان
يوم لرغدان من ايام عدنان
اعاد ما كان من عز وسـلطان
قصر رغدان الذي يطل على عمان، واصبح قلبها النابض جاءت حجارته من ارض معان ملفى الامير الاول" وابدع النقاشون في تشكيل الحجارة " واعتمد البناء على اسلوب السقوف المرتفعة في البناء والابواب الواسعة والعالية.
نستذكر من حوادث قصر رغدان انه قد تعرض لزلزال عمان الاثنين في 11 تموز 1927م في فترة اكتمال بنائه لكنه بقي سليماً، وانه في عام 1983م قد تعرض لحريق اصاب سقف قاعة العرش فاتى عليها كلها، واعيد ترميم القاعة والسقف بطريقة اعادت المكان الى شكله الاصلي.
ساحة قصر رغدان الامامية التي تجري فيها المراسم الخاصة هذه كان يستقبل فيها جلالة الملك عبدالله الاول جموع المهنئين، وايضاً يشاهد الخيول التي تأتي اليه خاصة لولعه بالخيول الاصيلة وخبرته فيها حتى انه قد وضع كتاباً خاصاً بها اسماه "الخيول الاصايل"... وعلى يمين الساحة ويسارها نرى مدفعين قديمين هما من صنع بريطاني استخدما في الحرب العالمية الاولى قد اهديا الى جلالته.
مدخل القصر الامامي يطل على الساحة الرئيسية ترتفع درجاته للوصول الى مصطبة ذات سقف مرتفع امام الباب الخشبي العتيق، وترتفع فوق الباب شعاران اثنان هما شعار الدولة الرسمي الذي تم اقراره بموجب قرار المجلـس التنفيذي رقـم (558) تاريخ 25 اب 1934م هذا الشعار الذي تعود فكرة تصميمه الى عام 1921م حين اراد الملك المؤسس ان يكون للدولة شعاراً رسميا.
ندخل من الباب الرئيسي الى بهوٍ مستطيل منه ندخل الى حجرات القصر. على يمين الداخـل ، الحجرة الصغيرة والتي بها ترتفع دكة للصلاة مصنوعة من خشب الزان وارضيتها من خشب البارنيه، وفي هذا المكان كان جلالة الملك عبدالله يقضي اوقاتا للعبادة والتهجد ومن نفس الحجرة الصغيرة يمكننا الدخول الى قاعة مستطيلة ذات ستائر جميلة التصميم وزخرفة علوية بديعة وفيها طاولة مستديرة ذات مقاعد خشبية وهي تستخدم للاجتماعات واللقاءات.
ومن البهو وعلى يسار الداخل ندخل الى مكتب جلالة الملك عبدالله وغرفة الاستقبال وقد كان لجلالته مكتبة فيها نقلت الى مكان آخر للحفاظ عليها
ونشاهد القاعة الواسعة الى جانب مكتب جلالته والتي تتزين بنقوش جميلة في السقف والذي فيه ابيات من الشعر تقول:
ربعٌ تجلى به حسنٌ واحسـان
مذ صار بإبن رسول الله يزدان
سُميَّ برغدان من عيشٍ به رغدٍ
ما ناله في قديم العهد غُمـدان
فيه السيادةُ مرفوعٌ سُرادقها
وللســـعادة في معناه افنان
فإن تسابقه للعَليا ربوع ندىً
حتى تفوق فأرِخْ فاز رغـدان
كتبه سليم الحنفي1343هـ
وحين نتقدم للامام في البهو الرئيسي نصعد درجا اما الى اليمين او الى الشمال لتواجهنا لوحة زجاجية تغطي القوس الاوسط للبناء بكامله وهي من نوع بديع مرسوم وملون بطريقة الفن التشكيلي ، ونترك اللوحة الزجاجية خلفنا لنصعد قبالة قاعة العرش:
قاعة العرش ذات المدخل الخشبي والزجاجي المزين باطار من الرخام المصقول والمرمر الابيض منها ندخل الى ساحة واسعة مرتفعة يتصدرها ايوان بيضاوي خلفيته شبابيك زجاجية ومصطبة ترتفع قليلا، عليها كرسي العرش الهاشمي الذي ما تغير ابداً وبجانبه منضدة عليها زاوية خشبية من فنون الارابيسك لوضع المصحف الشريف او سجل التشريفات، وعلى اليمين علم الدولة الأردنية والى اليسار العلم الهاشمي (علم جلالة الملك المعظم).
قاعة العرش تتسع وتبدو هادئة تضفي جوا من الوقار وانت تتأمل في زخارفها الجميلة ، والمقرنصات في زواياها العلوية، وزخرفة السقف التي تتداخل الرسومات فيها لتشكل لوحة من الفن العربي الاصيل والى يسار الداخل الى قاعة العرش بوابة واسعة ومرتفعة هي مدخل الى استراحة جلالة الملك وتضم بعضاً من الاهداءات لجلالة الملوك الهاشمية منها مجسم لقبة الصخرة المشرفة بمناسبة انتهاء مرحلة الاعمار الهاشمي الثالث عام 1994م.
تتعدد قاعات القصر في الطابق العلوي والدخول اليها عن يمين او يسار باب العرش، وجميعها قاعات للاجتماعات ومكاتب خاصة للتفرغ في النظر في شؤون الدولة، وقاعات للطعام والضيافة، وقاعات للاستقبال، ونشاهدها وهناك زوايا زجاجية وخزائن تخرج من الجدران تضم سيوفاً وقطعاً قد اهديت لجلالة الملوك الهاشمية.
ولكننا نقف عند تاريخ آخر من تاريخ آل هاشم يشهد على التضحية والفداء والاخلاص للقضايا العربية، نقف عند الغرفة الخاصة بالشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، الذي بعد ان قضى ست سنوات في المنفى من عام 1925م وحتى عام 1930م عاد ليقيم في قصر رغدان وقد انهكه المرض والتعب الى ان توفاه الله يوم الثالث من حزيران من عام 1931م ولا زال المقعدان الخشبيان اللذان كانا يستخدمهما جلالته في محلهما، ولا زالت غرفته تفوح بعبق التاريخ والمجد والوفاء...
قصر رغدان الذي ما زادت كلفة بنائه عن (1600 جنيه) هو صورة من صور تاريخ الأردن المشرفة ورمز من المحبة والوفاء والعلاقة الوثيقة بين مؤسسة العرش والشعب الذي ينظر الى الأمل والمستقبل المشرف بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه.
(© جميع الحقوق محفوظة للديوان الملكي الهاشمي - 2003).
