قصة أبوزيد الهلالي تغريبة بني هلال الجزء الرابع

متجاوب 2023

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,822
مستوى التفاعل
442
النقاط
0
الإقامة
الاردن
تغريبة بني هلال ورحيلهم إلى بلاد الغرب (04)

قصة أبوزيد الهلالي

الجزء الرابع من تغريبة بني هلال
وعند دخوله الى البلد قصد المكان الذي كانت مسجونة فيه فرسان بني هلال، فوجد العبيد يطوفون من خلف وقدام، فسلم عليهم فردوا السلام وقالوا من انت وما تريد، فقال قد أرسلني الدبيسي لادعو له في جامع عبد الصمد بأن الله يبلغه المراد وينتصر على ابو زيد، وانتم من تكونون؟ فقالوا نحن الحراس نحافظ على اسرى بيت هلال خوفا من الاعداء. ثم ان ابا زيد اخرج من جيبه شمعة مبنجة فاضاءها بعد ان فرك منخريه بضد البنج. فلما اشتعلت فاحت منها رائحة زكية ولم تكن إلا برهة يسيرة حتى وقعت الحراس كالاموات من ذلك البنج. وبعد ذلك اخرج المغناطيس ووضعه على الاقفال فتساقطت في الحال، فرأى فرسان بني هلال في القيود والاغلال وهم يقاسون الاهوال، فاعلمهم بالامر وفكهم من الاسر واعطاهم اسلحة الجماعة وقال لهم اتبعوني بعد ساعة، فلما وصل الى الباب وجد الحراس جالسين وفي ايديهم السيوف والحراب فسلم عليهم فردوا السلام، وقاموا له على الاقدام واجلسوه بجانبهم، وجعلوا يخاطبونه ويخاطبهم، وكان يمد يده الى جرابه ويأخذ قطعا من السكر ويأكلها امامهم فقالوا له ما هذا الذي تأكله يا شلبي، فقال هذا ملبس حلبي فقالوا له اطعمنا ونحن ندعو لك بالتوفيق والخير، فاعطاهم قبضة كبيرة وكانت مبنجة فأكلوها فلما استقرت في بطونهم تبنجوا وفي تلك الساعة اقبلت الاسرى وخرجوا وجدوا في قطع البراري والبطاح، فوصلوا لاهلهم عند الصباح فقامت الافراح وكثر الصياح، وشكروا أبا زيد على تلك الفعال. وأهل البلد حل عليهم الويل والنكد لما رأوا الحراس راقدين والاسرى مطلوقين، ولما بلغ الدبيسي هذا الخبر طار من عينيه الشرر، وتأكد عنده بعد التحقيق والتفتيش ان البلاء من ذلك الدرويش، وما هو الا ابو زيد صاحب المكر والكيد، ولكنه اخفى الكمد واظهر الجلد، وزحف بالعساكر والابطال لقتال بني هلال، وبرز للميدان وكان اول من برز الى الدبيسي سرور بن فايد فالتقاه الدبيسي بقلب كالصوان، واخذه اسيرا، وبرز اليه نعيم الزحلان وكان من صناديد الشجعان، فاسره في الحال وما زال يأسر الفرسان والابطال حتى اسر خمسين فارسا من بني هلال وفقد منها عدة ابطال وقد اشرفت على الوبال من هول القتال، فلما كان اليوم الرابع هجم الدبيسي بجيوشه قاصدا قتال بني هلال وانطبق عليهم من اليمين والشمال وقاتلهم اشد قتال، فكانت واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها في الأيام، فكثر الصياح وجرى الدم وساح، فما كانت ترى الا رؤسا طائرة ودماء فائرة وفرسانا غائرة ودارت على بني هلال الدائرة، واستمر القتال على هذا المنوال حتى كثرت الاهوال على بني هلال فلم يعد لهم ثبات، فتاخروا الى الوراء وقد قتل من الفريقين نحو عشرين الف بطل كرار، ولما اظلم الظلام واجتمعت بنو هلال في الخيام وهم بحالة الذل والانكسار، عقدوا ديوانا مع الأمير حسن وطلبوا منه ان يمدهم برايه فاخذ يحمسهم بالمقال ويشجعهم على الحرب والقتال، ثم قال من الواجب ان تركب الجازية مع العمارية ونحمل عليهم في الصباح بالكتائب والمواكب، والا حلت بنا النوائب، فاشتدت عزائمهم على الحرب والصدام واجابوه على فرد لسان، اننا سنقاتل نهار غد بالسيف والسنان، حتى لا يبقى منا انسان، ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولاح، دقت طبول الحرب والكفاح، فركبت العساكر وهجمت على عساكر الدبيسي بقلب كالحديد، والتقت الرجال بالرجال والابطال بالابطال واشتدت الاهوال وارتجت السهول والجبال ومازالوا على تلك الحال حتى تضعضعت من الدبيسي الاحوال، فعند ذلك مالوا على عليهم من اليمين والشمال وتفرقت جموعهم بين الروابي والتلال، هذا والدبيسي ينخى الابطال ويقول انا الفارس المؤيد المدعو الدبيسي ابن مزيد، فلا يبرز لي الا أبو زيد صاحب المكر والكيد، الذي اتى الينا واحتال علينا، فما اتم كلامه حتى صار ابو زيد امامه وصدمه صدمة تزعزع الجبال والتقيا في ساحة المجال، واصطدما كانهما بحران وتزاحما كانهما اسدان حتى حان عليهما الحين وزعق فوق راسيهما غراب البين، واستمرا على تلك الحال الى نصف النهار، واما ابو زيد فاستظهر على خصمه وضايقه وسد عليه طرقه وطرائقه وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره، فوقع عى الارض قتيلا، ولما رات قومه ما حل به خافت من الهلاك والبوار فولوا طالبين الفرار، وقصدوا المدينة وقد انقطع منهم الامل فتبعهم ابو زيد وبنو زحلان والأمير دياب والأمير حسن وباقي الفرسان ودخلوا المدينة وراءهم وضربوا فيهم بالسيف حتى جرت الدماء في الأسواق وبليت قوم الدبيسي بما لايطاق، وعلا بينهم الصياح والبكاء والنواح، ثم هجمت بنو هلال على الحصون والقلاع وخلصوا اسراهم من الاعتقال، ورجعوا من ساحة القتال وثيابهم كشقائق الارجوان من ادمية الفرسان،ونزلوا في المضارب والخيام وقد بلغوا غاية المرام،فخلعوا الحديد ولبسوا الاطاليس والحرير ودارت القهوة والشراب على الامراء والسادات، ثم نهض وزير الدبيسي همام واخذ مزيد بن الدبيسي وامه بدر، وسار بهما عند الأمير حسن فدخل وسلم عليه وبكى وطلب منه العفو والأمان وان يعاملهما بالطيب والاحسان، ثم تقدمت الأميرة بدر هيوالأمير مزيد والوزير همام اى الأمير حسن وقالوا له العفو يا امير الزمان، فقد نصحنا الدبيسي وحذرناه من عواقب الامور فلم يسمع كلامنا الى ان نفذ به الامر المقدر، فاجابهم الى ما طلبوا واكرمهم غاية الاكرام وخلع عليهم الخلع الفاخرة ونادى بالامان وزالت الاكدار والاحزان، وكان مزيد خاطب ابنة عمه هند وكانت من النساء المحسنات، فاعلم الوزير الامير حسن بذلك وطلب منه ان يزفها عليه فاجابه الى ذلك، وفي الحال ذبحوا النوق والاغنام ودارت الافراح سبعة ايام، وبعد تمام الافراح ولى الامير حسن مزيد مكان ابيه على البلاد، وطاعته جميع العباد لأنه كان يحب العدل والانصاف ويكره الجور والاسراف، وبعد تمام العرس امر الامير حسن بهذه المضارب والخيام وجمع المكاسب والاغنام وبالرحيل الى بلاد الغرب، فاجتمعت الفرسان من كل جانب ومكان فركب الامير دياب والقاضي بدير وزيدان شيخ الشباب، بستين الف من الشبان وركبت الجازية مع البنات وحينئذ ركبت الفرسان ظهور الخيل وانتشرت البيارق وكانت الفرسان تهوج وتموج مثل ايام ياجوج وماجوج، وجدوا في قطع البراري والقفار والسهول والاوعار، يوصلون سير الليل بالنهار، حتى وصلوا الى بلاد الاعجام، فنزلوا في مرج واسع كثير المياه فنصبوا المضارب والخيام.
حرب بني هلال مع الاعجام وسبي المارية
( قال الراوي ):
وكان الحاكم على بلاد الأعجام في تلك الأيام سبعة ملوك عظام وهم(خرمند)( و علي شاه )( و الصتصيل )( والمغل )( و بندر )( و النعمان).
ولما نزلت بنو هلال في ذلك المكان أطلقوا مواشيهم في المراعي فأكلت العشب والأشجار والبساتين والأثمار، وبعد أن أخذوا الراحة أمنوا نوائب رجع الأمير حسن والقاضي بدير إلى نجد مع بعض الاجناد لتحديد البلاد، وبرجوع الامير حسن والقاضي بدير الى نجد، اجتمعت ملوك الاعجام عند الخرمند، وجعلوا يتداولون في امر نزول بني هلال في ذلك البر فقال الخرنمد، اعلموا ايها السادات ان بني هلال قدموا البلاد، وهم كل يوم في ازدياد فقال الراي عندنا ان نبادرهم بالقتال ونسبي حريمهم والعيال وننهب نوقهم والجمال قبل ان تكثر جموعهم وتصل اذيتهم الينا. وكان المك النعمان حاضرا في الديوان، فصعب عليه ذلك الأمر لأن أصله من بلاد العرب، فقال للملك الخرمند إن كان لا بد من حرب مع بني هلال طمعا بالغنائم والأموال فأرسل أطلب عشر المال، فإن امتثلوا أمرك تكون قد بلغت منهم المرغوب، وإن امتنعوا عنه فحينئذ تبادرهم بالقتال وتنهب أموالهم وتطفي آثارهم، فلما سمع منه هذا الخطاب رآه عين الصواب، فكتب إلى بني هلال يطلب منهم عشر المال أو يرحلوا من بلاده، ثم طوى الكتاب وأعطاه للنجاب وأمره أن يسير إلى بنى هلال ويدفع الكتاب إلى نائب السلطان، ويرجع إليه من غير تولن، فامتثل النجاب أمره وسار حتى وصل تلك الديار، فدخل على أبي زيد وأعطاه الكتاب وطلب منه الجواب، فلما فتحه وقرأه مزقه ورماه وكتب إلى الخرمند يهدده بقصيدة شعرية.
ولما وقف الخرمند على هذا الشعر والنظام، صار الضياء في عينيه كالظلام، وقال هل يبلغ من قدر بني هلال أن يخاطبوني بمثل هذا المقال وأنا ملك العجم، وذكري في جميع الأمم؟؟ ثن أنه استدعى قواد العساكر ومن يعتمد عليهم في الحروب والمخاطر، وأمرهم أن يستعدوا للقتال ويجهزوا الفرسان والأبطال، فاجتمع خمسمائة ألف عنان، وأرسل إلى بلاد خراسان تمده بالجيوش والعساكر. ثم ركب في ثاني الأيام للحرب والصدام، ولما بلغ أبو زيد هذا الخبر ركب في جموع بني هلال واشتبك بين الفريقين القتال، فقتل من العرب والعجم من قتل، إلى أن مات غنيم البطل، وأخذوا مارية سبية، فلما سمع أبو زيد هذا الخبر طار من عينيه الشرر، فكتب إلىة الأمير دياب يعلمه بواقعة الحال ويطلب منه المعونة في القتال، وأرسل الكتاب مع عشرة أبطال.
فلما وصل الكتاب إلى الأمير دياب وقف على ما تضمنه من الخطاب فامتنع عن الحضور وقال هو أولى بحماية الجمهور، فلما وقف إلى الأمير حسن بن سرحان والقاضي بدير يعلمهم بما جرى بينه وبين الأعاجم.
فلما فرغ الأمير أبو زيد من الكتاب سلمه للنجاب وأمره أن يجد مسيره إلى بلاد نجد ويسلمه إلى الأمير حسن ويرجع بالجواب.
( قال الراوي ):
ومن الإتفاق الغريب أن القاضي بدير رأى تلك الليلة حلما هو أنه كان قابضا على حمامة بيضاء وإذا بعقاب أسود قد هبط من الجو فخطفها وطار، فاستيقظ من المنام وهو في قلق عظيم وسار عند الأمير حسن وقص عليه الرؤيا. فقال:
يا ابن العم ان هذا الحلم يدل على ضيق وغم، وان ابنتك مارية قد خطفها الأعجام، فلما سمع هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وقال مادام الأمر كذلك فيجب أن نركب حالا ونجد في قطع القفار ونكشف خبر قومنا في تلك الديار، فأجابه الأمير حسن إلى هذا المرام وركبا ومعهما فرسان الصدام قاصدين بني هلال، ولكنهما لم يصادفا النجاب الذي أخذ الكتاب، وعند وصولهما بالعساكر والأبطال إلى أول نجوع بني هلال رأيا العبد سعيد، فسأله القاضي عن الأحوال فقال لقد تغلب علينا الأعجام، وسبوا مارية، فقال القاضي خيّبك الله على هذه البشارة، ثم مرا على الأمير دياب فطلب منهما أن ينزلا عنده، فأبى حسن وقال له علامك يا أمير ما ركبت مع أبي زيد على قالت الأعجام، أتسبى العيال وتنهب الجمال وأنت جالس في الخيام بدون فكر ولا اهتمام؟! قال الذي منعني يا ملك الزمان هو الخوف من هجوم العدا إلى هذا المكان فتنهب الأغنام، ثم ركب دياب مع القاضي والأمير حسن وركبت معه الأبطال والفرسان، وما زالوا يجدون السير عند أبي زيد، فالتقاهم بالتعظيم والاحترام وذبح لهم الأغنام فامتنع الأمير حسن عن الأكل وهو مغتاظ زعلان، فسأله أبو زيد عن سبب ذلك فقال إني مغتاظ لفقد مارية من بين يديك فأجابه أبو زيد يقول:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
بدمع جرى من مقلة العين نابع
ياأبو علي إسمع كلامي وافهمه
وأنت يا قاضي فكن لقولي سامع
أتونا بوي الأعجام من كل جانب
سبعة ملوك من غير التوابع
فصحنا عليهم هاجمين بقوة
قتلنا منهم ألفين ماعدا التوابع
فكانت فتاة الحي مارية المها
غدت فعاد القوم فيها طوامع
جفل بكرها فيها وأنا مارأيتها
وقلبي لأجل مارية عاد واجع
ونادت بعال الصوت يا آل عامر
وتومي بأيديها وتلوي الأصابع
أتى نحوها المدعو غنيم بن مفلح
وقاتلهم بقلب شديد وسط المعامع
طهنه الملك صنصيل بالرمح صبابة
بحربة نورها كالشمس ساطع
وحال ظلام الليل بيني وبينهم
وعاد العجم بعد هذه الوقائع
وحق الله والبيت والحجر
فلا بد لي من حربهم أن أسارع
ولابد أن أجيب المارية
وأهدم الكوفة وأرتد راجع
يتبع
 

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,822
مستوى التفاعل
442
النقاط
0
الإقامة
الاردن


( قال الراوي ):
وفي ثاني يوم ركبت الأعجام على بني هلال فركب الأمير حسن واستقبلهم في ساحة الميدان، ما عدا أبو زيد، فإنه لم يركب معهم لقتال القوم وجعل نفسه مريضا في ذلك اليوم، ولما نشب القتال وعظمت بين الفريقين الأهوال هجمت الأعجام على بني هلال مثل أسود الآجام، وقاتلت أشد قتال وجعلت ترميهم بالنشاب وتطعنهم بالحراب، فلما رأت بنو هلال تلك الأحوالوهجوم العجم عليها من اليمين والشمال ارتدوا إلى الخلف وانهزموا، وتبعهم فرسان العجم حتى دخلوا إلى الخيام وبدأو ينهبون البيوت ويسبون النساء والبنات، فارتفع البكاء والنواح وزادوا في الصياح، فلما سمع أبو زيد النساء والبنات، عويل النساء والأصوات هجم مع الفرسان والأبطال بالسيوف والرماح فالتقى بعسكر الأعجام وحكم برقابهم ضرب الحسام، فردهم عن المال والحريم، فارتدوا منهزمين إلى الكوفة وقومه وراهم مثل الشواهين إلى أن بلغ منهم المراد وقتل عددا كثيرا من الأجناد، ثم ارتد منتصرا فالتقاه الأمير حسن وشكره على تلك الفعال وقال له مثلك تكون الأبطال يا زينة الرجال فلولاك لكنا في أسوأ حال وصرنا بين سائر العربان على طول الزمان، وكذلك القاضي بدير أثنى عليه وكان متأسفا على فقد ابنته مارية، فقال له أبو زيد لابد لي من خلاص ابنتك أيها القاضي الجليل وأشفي من عساكر العجم الغليل، ثم أن أبا زيد صبر إلى وقت الظلام وتزيا بزي الأعجام وسار إلى مدينة الكوفة وفي صحبته عبده أبو القمصان وبدر بن غانم، وعند وصولهم أليها وجدوا أبوابها مغلقة فدار أبو زيد من جميع الجهات فلم يجد منفذا، فبينما هو يتفرج ويتأمل رأى دهليزا صغيرا فنزل فيه فأوصله إلى البلد فترك رفيقه بإنتظاره، وأخذ يطوف من زقاق إلى زقاق يجول بين الحارات والأسواق، ويقف على الأخبار، وكان كلما نظر إليه إنسان يكلمه في لغة الأعجام، ورأى بناء عظيم البنيان ذا أربعة عمدان وفوقه قصر جميل الهندام من الرخام وشبابيكه مصفحة من الذهب، وإذا به يسمع آلات الطرب، فقال أبو زيد في نفسه هذا الملك خرمند لا محال لما عليه من الهيبة والجمال، ورأى شجرة من السرو وأصلة أغصانها لشباك القصر، فصعد عليها حتى وصل إلى أغصانها، ولما صار عند الشباك وجه نظره إلى تلك الغرفة، فوجدها من أحسن الغرف مزينة بالفرش الفاخر، ووجد سبعة ملوك من العجم جالسين على كراس من الذهب ومارية جالسة بينهم كأنها القمر، وكانت ملوك الأعجام تشرب المدام والمغاني تغني لهم بأنواع الأنغام، فقدم الخرمند إلى ماريا كاسا وقال لها خذي وإشربي يا بنت الكرام وغني حتى يزيد إنشراحنا ويكمل سرورنا، فامتنعت عن الشراب وزادت في البكاء والإنتحاب، فتأثر الملك النعمان ونهض من وسط الديوان، وكان الملك خرمند متزوجا بابنته هند، فقال دعوها ولا تكلموها فانها من بيت كبير وأبوها قاض وأمير، ولكن الغناء ليس فيه عيب، ثم التمس منها أن تغني فلما سمعت هذا الكلام أشارت تغني قصيدة مطلعها:

تقول فتاة الحي مارية من المها
فنار الضنى والشوق يكوي ضميرها

( قال الراوي ):

فطربت ملوك الأعجام وشرب خرمند كأس المدام، ثم أعطاه إلى الساقي وقال له:
املأ كأس المدام وناوله إلى مارية بدر التمام حتى تفرح وتطرب ويزول عنها الحزن والكرب، فخجلت مارية وقالت للنعمان أني لاأشرب من هذا الشراب لأنك تعلم أيها السيد بأن مشروبنا هو حليب النوق والغنم ولانشرب غيره من المشروبات، فإن ذلك عندنا من أعظم العار. فاعتذر النعمان عنها إلى خرمند وقال له اعفها من هذا الكأس لأنها غير معتادة، فتناول الخرمند الكأس وتذكر حسنها وجمالها وشربه حتى الثمالة، أما الساقي فراح ينشد بدوره.

فلما فرغ من إنشاده قال له الخرمند أحسنت بما فعلت. فعند ذلك نهض النعمان وأراد أن يأخذ المارية إلى بيته، فاعترضه الصنصيل وقال أني كسوتها بالثياب الفاخرة والحلل الباهرة، وأنا أحق بها من كل أحد، فقال له النعمان أن لاأمكنك من ذلك حتى نرى كيف ينتهي الحال بيننا وبين بني هلال، وأنا من رأيي أن نطلق سبيلها فتذهب إلى أهلها خوفا من القيل والقال، فقال الصنصيل هذا لا يكون وأنا مرادي أن أنشد الشعر وه تجيبيني عليه ولا نريد منها غير ذلك، ثم أشار يقول:

قال الملك صنصيل يا مارية غني لي
وارفعي المنديل عن وجنتك الحمرا
يا مارية بحياتك قومي اشربي كاساتك
وبيني شاماتك وريقك زي الخمرا
قومي تعالي لقربي لأذوقك من شربي
وقربي لجنبي حتى تطيب السكرا
صنصيل قلل كلامك بنت العرب قدامك
إذا يصير هزامك من سباع القفرا
يامارية ارتدي برجالك لاتعتدي
بالحرب ماهم قدي إذا دمهم يجري
غدا يجيك سلامة أسمر طويل القامة سيفه يزيل الهامة
في كل ضرب عشرا سلامي ذاك راحي
إن أتى لكفاحي أقتله فوق الصخرا
إذا يجيك الغالي أمير بتخته عالي
حسن كبير هلالي قومه كموج البحر

( قال الراوي ):

وكانت جالسة أخت الملك خرمند، وكان اسمها تاج بخت، فلما سمعت أن مارية هانت عمهاالصنصيل في شعرها، لطمتها بين عينيها فآلمتها وسال الدم من جبينها، فلما شاهد أبو زيد تلك الحال غضب ولولا وجود الحديد بالشباك لدخل عليهم وأورثهم الدمار وأما الملك النعمان فإنه استعظم الأمر ونهض على الأقدام وسل بكفه الحسام وجعل يتوعد.

ولما فرغ النعمان من هذا الكلام وسمعته ملوك الأعجام، خافوا من الشرور وعواقب الأمور، فقال خرمند للنعمان خذ مارية إلى عندك هذه الليلة، لأنه يخشى من تواليها، فمتى ظفرنا بهؤلاء العرب فحينئذ نبلغ منها الأرب، فعند ذلك قال لها النعمان تعالي أيتها الأميرة إلى بيتي، فسارت معه ولم يعترض أحد بالكلام، فلما شاهد أبو زيد أفعال النعمان شكره في قلبه وقال إن هذا الرجل يستحق كل جميل، ثم نزل من أعلى الشجرة وتبع آثار النعمان حتى وصل إلى منزله فسمعه يقول لإبنته، خذي هذه الأميرة وافرشي لها غرفتك فإنها من بيت شريف، فترحبت بها وأكرمتها، ثم رجع النعمان ليصرف باقي ليلته عند الأعجام، ورجع أبو زيد لبني هلال، وعند وصوله إلى الخيام سمع أصوات البكاء والنواح لأنهم كانوا يظنون بأنه مات، فلما دخل على الأمير حسن وسلم عليه، فنهض وشكر الله على سلامته وكذلك فعلت باقي السادات، وسأله القاضي بدير عن المارية ابنته فأجابه يقول:

يقول أبو زيد الهلالي سلامة
الأيام والدنيا تسبب هوايل
وصلت إلى حلة الأعجام بلابطا
فدرت ميامنها ودرت الشمايل
إلى أن نظرت المارية في عيني
فقولي صحيح ليس فيه زلايل
في قصر خرمند يا قوم جالسة
ملوك العجم من حولها كالجمايل
والطاس داير والجنك والغنا
والنعمان بينهم وهوشهم فاضل
يمر عليها الكاس ما تذوقه
فتحسه مثل سم القواتل
فكانت تنادي الصوت يا آل عامر
وتضرب بأيدها يمين وشمايل
فقام الملك النعمان أتى بها
فخلصها منهم بضرب هائل
وأخذها في الحال إلى دار بنته
وأوصى بها بنته وكل الأهايل
فإن عانني الرحمن ربي أجيبها
وأهدم الكوفة ووحدي أقاتل

( قال الراوي ):
فلما فرغ الأمير أبو زيد من كلامه وسمع الحاضرون فحوى شعره ونظامه، قال الأمير حسن مرادي الآن أكتب كتابا إلى ملوك الأعجام وأطلب من الخرمند أن يرسل المارية الآن عند الملك النعمان، فماذا تقول في ذلك؟ فقال أبو زيد لابأس، فلعلهم يتأثرون من كتابك ويرسلونها، فعند ذلك كتب يقول:

قال الفتى حسن الهلالي أو علي
النار في قلبي تهب وتشتعل
يا ملك خرمند اسمع قصتي
أبعث لنا المارية ولاتتمهل
انك ان أرسلتها لبيوتنا
فترى العساكر ودياب ترحل
حتى اذا خالفت في ارسالها
نهجم عليكم في الصباح وتقتل

فلما فرغ الأمير حسن من هذا الشعر والنظام، أرسله من نجاب ليعطيه إلى الملك ويأتيه بالجواب، فامتثل حتى وصل إلى الملك الخرمند وسلمه الكتاب، ففتحه وقرأه ولما عرف معناه مزقه في الحال وأمر العساكر أن تستعد للقتال، وخرج بجيوش الأعجام لقتال بني هلال وكان نجاب السلطان حسن قد أوصل هذا الخبر لبني هلال، فاستعدوا للحرب وفي أوائلهم الأمير أبو زيد والأمير دياب وغيرهم من الفرسان والتقوا بالأعجام، قاتلوا أشد قتال وفعل أبو زيد أفعالا تشيب الأطفال، ولله در الأمير دياب! فإنه قاتل في ذلك اليوم حتى وصل إلى الملك القمقام وضربه بالسيف على عاتقه خرج يلمع من علائقه ثم مال على القوم وقتل منهم عدة رجال.
فلما رأت عساكر الأعجام تلك الأحوال ارتدوا راجعين في تلك الصحراء وقطع دياب رأس القمقام وسار به إلى الأمير حسن وباقي السادات وألقاه أمامهم فشكروه ثم رجع بنو هلال بالعز والانتصار، وكان أول من برز إلى القتال أبو زيد الفارس المفضال، فبرز إليه الملك المنذر فالتقاه أبو زيد وانطبق عليه كسبع الآجام، ولم تكن ساعة من الزمن حتى ضربه أبو زيد بالسيف على هامة قده نصفين فوقع على الأرض يتخبط بعضه ببعض.
فبرز أخوه الأمير بندر ليأخذ بثأر أخيه فالتقاه أبو زيد بقلب كالحديد، ثم هجم عليه وضربه بالسيف فالحقه بأخيه، فهجمت الأعجام فالتقتهم بنو هلال وحكمت فيهم ضرب السيوف، وقتلت منهم عشرة آلاف من صناديد الأبطال، فانهزمت إلى ورائها وفي اليوم الثاني دقت الأعجام طبولها وركبت خيولها وبرزت إلى القتال طالبة أخذ الثأر فبرز إلى الميدان الأمير أبو زيد فبرز إليه المغل وأخذا يتضاربان ويتطاعنان، وكان المغل المذكرو من أفرس الفرسان قوي الجنان، فقاتل أبو زيد أشد قتال وضربه ضربة صامدة فاستلقاها أبو زيد في الترس فقطعته نصفين، ونزلت على رقبة الجواد فأبرتها كما يبري الكاتب القلم، فوقع أبو زيد على الأرض فأراد المغل أن يكمل عليه فبادر إليه الأمير دياب وخلصه، وفي الحال أتوه بجواد فركبه وهجم هو ودياب على صفوف الأعجام وتبعهم باقي أبطال بني هلال من اليمين والشمال، وكانت موقعة مهولة قتل فيها خلايق كثيرة وكان من جملة المقتولين المغل وغيره من سادات العجم والمقدمين، وانهزمت العجم أقبح هزيمة وثبت الملك الصنصيل وهو راكب على جواد فبرز إليه دياب وهو راكب على الخضرا، فالتقاه الصنصيل واشتد بين الفارسين القتال وعظمت الأهوال، وما زالا على تلك الحال إلى وقت الظهر، وكان الصنصيل قد اعتراه التعب فولى وطلب لنفسه الهرب، فلما رأت عساكر العجم بأن سيدها قد انهزم، خافت من العواقب فارتدت إلى الحلة فدخلت إليها وأغلقت الأبواب، فجمع الملك خرمند ملوك قومه وقال لهم مرادي إذا أن أخرج إلى قتال بني هلال فأريد أن تهجموا وتقاتلوا وإلا صرنا معيرة وفضيحة عند الملوك، فوعدوه بأنهم سيبذلون غاية المجهود ويقاتلون قتال الأسود، ولما أصبح الصباح ركب الملك خرمند وجيوشه وخرج يريد القتال فالتقاه في الحال جميع الفرسان والأبطال وتقاتل الجمعان، فالتقى أبو زيد بالملك الخرمند فتطاعنا بالرماح وبالسيوف، وما زالا على تلك الحال من الصباح إلى وقت الزوال، ولم يقدر أحد على خصمه فافترقا عن بعضهما البعض وبات كل فريق في ناحية من الأرض.

وفي الصباح برز الملك الخرمند إلى معركة الكفاح وطلب أن يبرز له السلطان حسن فبرز إليه السلطان حسن وقال له أيها الملك إذا أرت أن تنتهي الحرب بيننا فرد لنا المارية حتى ننهي الحرب ونرحل عن بلادكم في الحال، فقال لله كيف أسلمكم المارية وقد قتل أكثر أبطالنا من أجلها، ولكن دونك والقتال وحمل عليه فالتقاه السلطان حسن بهمة وحمية واشتبك بينهما القتال، وكان السلطان حسن أبرع من الخرمند، فلاصقه وضايقه وضربه بالسيف على رأسه شقه إلى تكة لباسه، فلما قتل الخرمند ولت الأعجام وطلبت الفرار، فتبعتها بنو هلال وحكمت فيها السيوف، فلما نظر الملك النعمان ما حل بالأعجام من الذل والهوان، سار إلى السلطان حسن وسلمه المفاتيح وطلب منه أن يكفوا عن القتال فأجابه إلى طلبه، وأمر بوقف القتال فاجتمع الأمراء عند السلطان حسن ورحبوا بالملك النعمان، فسار بهم إلى الحلة وأدخلهم قصر الخرمند فرأوا به الشيء الكثير من التحف الثمينة، فجمعها السلطان حسن ونقلها إلى المضارب والخيام، ثم دخلوا إلى قصر النعمان فوجدوا فيه المارية معززة مكرمة فأخذوها باحتفال عظيم، ثم نادى السلطان حسن بالأعجام وقال لهم لقد أقمت عليكم الملك النعمان وهو ملك عادل فأطيعوه ولا تخالفوه لأنه نائبي في هذه البلاد وسيدفع لنا الجزية في كل عام، فقالوا سمعا وطاعة أيها الملك العظيم.

يليه غداً الجزء (05) من تغريبة بني هلال

 
إنضم
28 يونيو 2012
المشاركات
9,047
مستوى التفاعل
214
النقاط
0
يعطيكي الف عافيه ع القصه الرائعه

تحياتي لكي
 

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,822
مستوى التفاعل
442
النقاط
0
الإقامة
الاردن
كل الشكر لمروركمـ الرآآقي
لكمـ مني اجمل وارق الامنيات
 

متجاوب 2023

متجاوب 2023

أعلى