مذكرة شاملة لمادة الرياضيات للصف الرابع

متجاوب 2023

غصون غسان عمار

عضو متالق
إنضم
29 مايو 2012
المشاركات
463
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
42
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نشكركم كل الشكر على هذه الجهود الرائعه
غصون
 

يوسف ابداح

عضو مميز
إنضم
15 أكتوبر 2012
المشاركات
71
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
في ميزان حسناتكم ان شاء الله
 

ام حازم ويامن

عضو قوي
إنضم
23 أكتوبر 2010
المشاركات
640
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
42
الإقامة
الأردن - عمان
بارك الله بك وبعملك وجعله في ميزان حسناتك
 

مراد مراد

عضو مميز
إنضم
10 فبراير 2015
المشاركات
97
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
53
رائعون ايها المنتدى
 

رحيق الجنات

عضو جديد
إنضم
26 أبريل 2015
المشاركات
35
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
جزاكم الله خيرا
 

ريما المعايطة

عضو ذهبي
إنضم
19 فبراير 2014
المشاركات
169
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
43
شكرا على جهودكم النيرة والمعطاءة وفقكم الله
 

لينه درويش

عضو جديد
إنضم
3 سبتمبر 2015
المشاركات
24
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
38
رائع كتير شكرا
 

ندى الياسمين

عضو مميز
إنضم
30 أغسطس 2011
المشاركات
55
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
جزاكم الله خيرا
 

الرمسس

عضو جديد
إنضم
10 نوفمبر 2015
المشاركات
10
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
"الغَزْو الفِكْري في المجالات التربويَّة والتعليميَّة"
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


الحمدُ لله الذي حفِظَ القرآن العظيمَ بحِفْظه، فقال تبارك اسمُه: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت:41، 42]، وقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]، والصلاةُ والسلامُ على الرحمةِ المهداةِ، والنعمةِ المُسْداةِ، إمام الأنبياءِ والمرسلين وخاتَمِهِم، الذي أَخرج الله به الناسَ مِن الظلمات إلى النورِ، وأَكْمَلَ به الدينَ، وأَتَمَّ به النِّعمة، وأَقامَ به الحُجَّةَ العلميةَ بالبرهان، والحجة العمليَّة بالقدوةِ، سَيِّدِنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَنْ تَبعهم بإحسانٍ.

أما بعدُ:
فقد طار الحمامُ وجاء بأحلى الكلام؛ فأعلن: إنَّ الشبكة الغراء - شبكة أهل العلم الكرماء، شبكة الألوكة حاملة اللواء، ناصرة الإسلام وصانعة العلاء - قد بدأتْ مسابقتها السنويَّة للكتَّاب والأدباء والشعراء، وصدق فيها القول:
تَرَى الأَلُوكَةَ غَرَّاءً وَقَدْ لَبِسَتْ
space.gif

نُورًا مِنَ الشَّمْسِ فِي حَافَاتِهَا سَطَعَا
space.gif




فأحببتُ أن يكون لي قدَمٌ فيها، أسير فيها مِن أسفلَ إلى أعلى، راجيةً الفوزَ بجائزة الله لي أولًا، ثم بجائزة الألوكة الأولى ثانيًا، إذ تعودتُ أن أسعى إلى المعالي، وأمتثل قول القائل - وأنا أمتطي قلمي وأقوده -:
وَفاِرسُنَا عَلِيٌّ ذُو المعَالِي
space.gif

هُنَاكَ الفْضْلُ وَاْلأَمْرُ الرَّشِيدُ
space.gif




وقول القائل:
بِقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعَالِي
space.gif

وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهِرَ اللَّيَالِي
space.gif




فكابدتُ وسهِرْتُ الليالي، حتى ظَهَرتْ كتابتي في حلتها هذه، فإن تحقق أملي فلله الحمد والفضل والمنة، وإن كانت الأخرى فحسبي أني اجتهدت، ولا أعدم الخير في التجربة والسعي مرة أخرى.

وختامًا، أسأل الله رب العرش العظيم، أن يجعل ما كتبتُ وما أكتبُ زادًا وعتادًا لي يوم القدوم عليه، وأن يشملنا بعفوه ووالدينا وأهلينا وإخواننا، إنه كريم مجيب، وعلى كل شيء قدير.

تمهيد:
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الله المبعوث للعالمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعدُ:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ[1] الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»[2].

قال النووي: "وَالْمُرَادُ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعِ وَجُحْرِ الضَّبِّ التَّمْثِيلُ بِشِدَّةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وقال ابن حجر في الفتح: "قَالَ عِيَاضٌ الشِّبْرُ وَالذِّرَاعُ وَالطَّرِيقُ وَدُخُولُ الْجُحْرِ تَمْثِيلٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَذَمَّهُ"[3].

وانطلاقًا من هذا الحديث النبوي المعجز، فمعلوم أنَّ الغَرْب كان وما زال يُمارس هُجُومًا فكريًّا - بعد أن فشل في الهجوم العسكري - مِمَّا أدى إلى اختراق صفوف الأمة الإسلامية، وتحريفِ كثير من تاريخها، ومنهجها، وحضارتها، وعقيدتها، واخترع أفكارًا تُشْبه الإسلامَ مِن طرفٍ خَفِيٍّ - وليستْ منه - فانبرى له مَن وقف حائِط صَدٍّ ضده، وزادت صيحاتهم تدوِّي في أرجاء المعمورة: أنِ احْذروا من الغزْوِ الفكري، أن احذروا مِنَ التغريب[4].

فلما وجد الغربُ فشلهم في الحرب المباشرة، بدأ في استخدام سلوك المكر والخديعة - سلوك الغزو الفكري - والذي يُمَثِّل أفضل الطرُق وأقربها، لإحكام سيطرته الاستعمارية على المسلمين.

فوضَعوا المخطَّطات والبرامج الدقيقة في هذا الجانب، ونسَجُوا المؤامَرات للغارة على الأفكار والمفاهيم الإسلامية، وعلى كلِّ ما له صِلَة بالإسلام؛ أمَّة وحضارةً وفكرًا، وأضحت قاعدتهم التي ارْتَكَزُوا عليها هي: "إذا أرهبك عدوُّك، فأفْسِد فِكْرَه ينتحر به، ومِن ثَمَّ تستعبده"، فانتقلتِ المعركةُ من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر والثقافة[5].

ثم نجحتِ المخططاتُ - وبكل أسف - فَسِرْنا نتبع خُطا مَن قبلنا؛ في كل كبير وصغير، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، فضاع جيلٌ من الشباب، وغُرِّبَ جِيلٌ من الفتيات، وانسلخ رجال من دينهم، وترك نساءٌ تعاليم نبيها، فإنا لله.

فكان لزامًا عليَّ حملًا لأمانة الكلمة، أن أكتب شيئًا يعبِّر عما في داخلي من مرارةٍ وحرقة على حال أمتي؛ نتيجة التغريب الذي يُمارس عليها كل يوم؛ في شتى مجالات الحياة؛ في: الاقتصاد، والسياسة، والإعلام، والتعليم، والمرأة، حتى في طعامنا وشرابنا.

وقد أخذتُ جانبًا واحدًا مِن هذه الجوانب المتعَدِّدة، أبين فيه ما فَعَلَهُ أصحابُ التقدُّم والتحرُّر! - وقد كذبوا تالله - وأقدِّم بعده حلولًا بديلة لأصحاب الحضارة الحقيقيين، أصحاب الحق والعدل، أصحاب الفكر المستقيم، أهل الديانة والملة الحنيفية.

أما الجانب الذي اخترتُه فهو الجانب التربوي والتعليمي، لما يُمَثِّل من خطورةٍ عظيمةٍ على شبابنا أطفال في تعليمهم وتربيتهم.

ولو استفضتُ في بيان كلِّ نقطة فيه، لما قُضِي وما انتهى، فآثرتُ أن تكون هذه الكلمات لبنات على الطريق، لعلَّ الله أن يُصلحَ الحال؛ لذت ملتُ إلى الاختصار والاقتصار، مبينًا ما اقتضى البيان، ومختصرًا ما اقتضى الاختصار.
وسميتُه: "الغَزْو الفِكْري في المجالات التربويَّة والتعليميَّة"

وقد قسَّمتُه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه.

الفصل الثاني: أهداف الغزو الفكري ووسائله.

الفصل الثالث: الغزو الفكري في المجال التربوي والتعليمي.

والله تعالى أسألُ أن يتمَّه بخيرِ حال، وأن ينفعَ به إخواننا في الألوكة وفي غيرها، وأن يكون زادًا وعتادًا لي يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الفصل الأول

تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه

تعريف الغزو الفكري:
الغزو الفكري: تغيير أحوال المسلمين السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، عن طريق استعمار القلوب والعُقُول، وتبديل الأفكار والقيَم والعقائد، فيصبح المغزوُّ فكريًّا خاضعًا بشكْلٍ تام لقادة الغزو وجنوده[6].

ومن هنا يظْهَر الفَرْقُ جليًّا بين الغزْوِ العسكري والغَزْو الفكري[7]:
1- فالغزو العسكري يستهدف أولًا وأخيرًا الأرض، وما فيها من خيراتٍ وموارد اقتصاديةٍ، وما تُشَكِّلُه من موقع إستراتيجي للأعداء.

بينما الغزوُ الفكري يستهدف أشرف ما في الإنسان؛ عقيدته وفكره، قلبه وعقله.

2- الغزو العسكري يضُرُّ بالغزاة أنفسهم أكثر مما يحقق أهدافهم؛ لأنَّه يُحَرِّك في الشُّعوب المغزوة عاطفةَ الولاء للدِّين والوطن، ويُثير فيهم الحميَّة ضد المستعمر، فتهب الشعوب مُجاهدةً عن دينها، ومدافعةً عن أوطانِها.

بينما الغزوُ الفكري يعمل في المسلمين عكس ذلك.

3- الغزوُ العسكري يُحَرِّك في الشُّعوب حسَّ العمل الجاد للاستقلال والتحرُّر من التبعيَّة والخُضُوع للأعداء.

بينما الغزو الفكري يُفقد المغزوِّين القدرة والاستعداد للمجابهة، مما يجعلهم يقعون في أحابيل قادة الغزو بسهولة.

4- الغزو العسكري وسائله منفِّرة، وهي مصحوبةٌ بالدَّمار والقتل والدم.

بينما وسائل الغزو الفكري ناعمة وخادعة، ومصحوبة بالشهوات، فالاستجابة لها مِن قِبَل المغْزُوِّين أسرع، وأكثر، وأنجع.

5- الغزو العسكري تكاليفُه باهظة، وهو يلقى أسباب المقاومة، وآثاره تنهى في الغالب برحيل قادة الغزو وجنوده.

بينما الغزو الفكري قليل التكلفة، ولا يلقى في الغالب مُقاومةً، وتبقى آثارُه في عقول وقلوب المغزوِّين.

6- قادة الغزو العسكري وجنوده يوجدون في مسرح العمليات والأحداث.

بينما الغزو الفكري يكون قادتُه في الغالب بعيدين عن مسرح الأحداث، إذ يعملون مِن خلال عُمَلائهم ومأجوريهم من أبناء البلاد المغزُوَّة، والغزوُ يتم في جوٍّ من العلانية التامة، وتحت سمع وبصر القانون، بل برعايته وحمايته!

7- الغزو العسكري لا يجد له كثيرًا من الأتباع.

بينما الغزوُ الفكري يجد له كثيرًا من الأتباع والأنصار، الذين يمُدُّون يد التعاون باستمرار لقادة الغزو الفكري، وهؤلاء الأتباع والأنصار يعتبرون أعمالهم وطنية وخدمة لبلادهم، وهم يظنُّون أنَّ خيانتهم - لدينهم وأمتهم - لا يمكن أن تنكشف للناس.

دوافع الغزو الفكري:
إن الله - عزَّ وجلَّ - ابْتَعَثَ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - إلى البشريَّة جمعاء؛ لإخراج العِباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد - سبحانه وتعالى - فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9]، وقال: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾[الطلاق: 10، 11]، وقد أَمَر اللهُ - تبارك وتعالى - نبيَّه وأُمَّة الإسلام بإبلاغ هذا الدِّين؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67]، ثم لَمَّا وَجَد هؤلاءِ الحقدةُ انتشارَ الدِّين - بنَصِّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ"[8] - تآمروا عليه وعلى أمة الإسلام، وقد أخذ هذا التآمر عدة صور بعد فشلهم الذريع في الإتيان على الإسلام من أسفله، وهدم أركان الإسلام، وأولها توجيه سهامهم نحو الخلافة الإسلامية، حتى نجحوا بفضل حقدهم الدفين!

إن الحقد الذي يملأ الصدور ليزداد عندما يرون نور الإيمان يشع من قلوب ووجوه المؤمنين، عندما يرون ازدياد أعداء المسلمين، فقاموا يعملون على إضعاف تمسك المسلمين بدينهم؛ تارة بأنه دين لا يصلح للحكم، وتارة بأنه دين لا يصلح للعصر، وتارة بأنه ليس بدين بل خرافة مزعومة!

إن الغزو الفكري يظهر رأي العين عندما أقرأ قوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [النساء: 102]، فهذا آيات تكشف نفسيات الأعداء، فبين الله تعالى أن الكافرين والمشركين وأهل الكتاب يقفون معًا على قدم وساق لمنع الخير، لمنع انتشار الإسلام، الكل يضمر شرًّا للإسلام وأهله.

كذلك يظهر الحقد - لإحساسهم بأن المسلمين تميزوا عنهم - بقول الله تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، حتى في الفكر الكفري يريدوننا مثلهم! فكيف يرضون أن نتقدم؟! فكيف يرون أقوى؟! ولكن كما قال الله: ﴿ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، و﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].

إنَّ وُجودَ الإسلام بحَدِّ ذاته في دنيا الناس اليوم - فكرًا وسلوكًا واعتقادًا - غير مرغوب فيه من الغرب؛ إذ هو الخطرُ بِعَيْنه عليهم، فيَشْعُرون أنه يُهَدِّدهم حتى في أحلامهم، أما إذا تخلى المسلمون عن عقيدتهم وتهاونوا في شأنها، فإن الغرب لا يجد خطرًا ألبتة يخشاه، بل هو غاية المنى؛ إذ لا يتحرك المسلم إلا بعقيدة، فإذا ذهبت صار في دنياه كورقة الشجر أينما جاءها الهواء حركها!

يقول ولفرد كانتول سميث في كتابه الإسلام في التاريخ المعاصر (122): "إن عزل العقيدة عن مجالاتها التطبيقية في حياة المسلمين لهو ما يقوض فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير الإسلامية؛ لأنها هي التي تتصدى لأي تدخل عسكري! لذلك يريد مُفَكِّرو الغرب أن يوقفوا بواسطة الغزو الفكري فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير، وجعلها مشلولة الإرادة، مبلبلة الفكر، سلسة الانقياد..."، ومنه يُعْلَم أن الحقد الصليبي الغربي الكافر يتحرك ضد الإسلام لهدمه بكلِّ قُوَّة، وهو نفسه - أي: ولفرد كانتول سميث - يُؤَكِّد في كتابه هذا ص 124 قائلًا: "لأن الإسلام عقيدة عملت بإصرار على إنكار المبدأ الرئيسي للعقيدة المسيحية، التي كانت بالنسبة لأوروبا الاعتقاد السامي الذي أخذت تبني - في بطء - حضارتها، وكان التهديد الإسلامي موجهًا بقوةٍ وعنفٍ، وكان ناجحًا نجاحًا مكتسحًا في نصف العالم المسيحي تقريبًا..."!

وإذا كان العامل الفكري والنفسي سببا رئيسا في حرب وهدم الإسلام، فلا ينفي هذا أن يكون هناك دوافعُ أخرى؛ كأن يكون عاملًا اقتصاديًّا، للاستيلاء على خيرات العالم الإسلامي، كما حَدَث مصر والمغرب والجزائر وليبيا، وكما هو حَادِثٌ الآن في العراق، والسودان وغيرها من بلاد المسلمين!

كذلك هناك دوافع سياسية ودينية يتحرك بها القوم، ولكن الدافع الأكبر - في نظري - هو العامل النفسي.

الفصل الثاني

أهداف الغزو الفكري ووسائله

أهداف الغزو الفكري:
العقيدة أولًا!
إن أسمى هدف يسعى إليه أصحاب الصليب هدم العقيدة أولًا؛ إذ هو النواة المحركة للقلب المسلم، فالعقيدة هي سبب الكره لهم، والعقيدة هي التي تمنع أفكارهم، والعقيدة هي التي ترفض سياستهم، والعقيدة هي التي تقف أمامهم أثناء الحروب العسكرية، والعقيدة هي تقف حائط سد أمام تسرب أفكارهم إلى الشباب المسلم، والعقيدة هي التي تحبب المسلمين في الجهاد والموت، والعقيدة هي التي تجمع آصرة الأخوة بين المسلمين، والعقيدة هي التي ترفض ولاية الكافرين على المؤمنين، والعقيدة هي التي ترفض أي ولاء إلا لله والإسلام.

لقد هَدَف الاستعمارُ الغربي من تطبيق الغزو الفكري على الأمة الإسلامية إلى[9]:
ضرب الإسلام من الداخل، عنْ طريقِ إضعاف فاعليته، وعَزْله عن التأثير في حياةِ المُسْلِمين، وتحويله إلى دين - أشبه بدين النصارى - لا يَأْبَه بحياة الناس التشريعيَّة والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ أي: فَصْل الدِّين وعزله عن الدولة والحكم وحياة الناس العامة.

وقف المد الإسلامي، وحَصْر الإسلام داخل حُدُودٍ لا يتجاوزها، حتى لا يدخلَ فيه أحد من الغربيين، وحَقْن الشعوب الأخرى بكراهية الإسلام والمسلمين.

تجزئة المسلمين أرضًا وأمة وفكرًا، وتَشْويه صورتهم التاريخية الغابرة والحالية، والحيلولة دون مستقبل مشرق للإسلام والمسلمين.

يقول لورانس براون: "لقد كنا نُخَوَّف بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختِبار لم نجدْ مبررًا لمثل هذا الخوف، لقد كنا نخوَّف مِن قَبْلُ بالخطر اليهودي والخطر الأصفر، وبالخطر البلشفي (الشيوعي)، إلا أن هذا التخويف كله لم يكن كما تخيلناه.

إننا وَجَدْنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كلُّ مضطهد لهم عدونا الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا، أمَّا الشعوب الصفر فإنَّ هناك دولًا ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتها... ولكن الخطر الحقيقي كامِنٌ في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي".

ويقول المنصر الصليبي غاردنز: إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا"، ويقول رئيس وزراء إسرائيل الأسبق "بن غوريون": "نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلًا، وبدأ يتململ من جديد"[10].

ومن ثَمَّ استخدموا كل وسيلة وطريقة وجدوا فيها محورًا نافعًا في صراعهم ضد الإسلام، لقد تعددت وسائل الغزو الفكري، وتكاثرتْ سبله حتى كاد الباحث المسلم يعجز عن تحديدها وحصرها، ومن العجيب أن بعض هذه الوسائل أصبحت أمرًا مستساغًا جدًّا عند كثير من المسلمين، ونحاول هنا الحديث عن بعض وسائل الغزو الفكري منبهين إلى خطورتها وآثارها في حياة المسلمين، ومنها: التنصير، والاستشراق، والتغريب، والدعوات والنعرات الهدامة، والفرق الضالة، والمذاهب الفكرية الفلسفية والمناقضة للإسلام عقيدة ومنهجًا ونظامًا[11].

وسائل الغَزْو الفكري:
لقد اتحد أصحاب الصليب مع اليهود في حروبهم الفكرية ضد أصحاب المنهج الحق، المسلمين، وحاولوا استخدام كل طريقة نافعة يمكن بها إبعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، لذا اتخذت الحرب الفكرية طرقًا وأساليب عديدة أهمها: التنصير، والاستشراق، والتغريب، والدعوات والنعرات الهدامة، والفِرَق الضالة.

وسنحاول في عجالة إلقاء الضوء على كل نمط منها، حتى تستبين سبيل المجرمين، ويعلم الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

التنصير:
والذي يُسَمَّى زورًا وبهتانًا بالتبشير.

إن القوم ينطلقون بعقيدة، فالتنصيرُ فرْضٌ عليهم وواجِب؛ ففي خاتمة إنجيل مرقس (16: 15): "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزا بالإنجيل للخليقة كلها".

فالنصارى بهذه العقيدة يريدون فرض النصرانية على العالم، لإدخال غير المؤمنين إلى دائرة الإيمان (أقصد الكفر)، فها هو روبرت ماكس أحد المنصِّرين من أمريكا الشمالية يقول: "لن تَتَوَقَّف جُهُودُنا وسعيُنا في تنصير المسلمين، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قُدَّاس الأحد في المدينة"! لذا فتجدهم يضحون بالغالي والرخيص في سبيل تحقيق أهدافهم، والتي تكمُن في[12]:
1- الحيلولة دون دُخُول النَّصارى في الإسلام، ويُعبِّر عنه بعضُ المنَصِّرين بحماية النصارى من الإسلام.

2- الحيلولة دون دخول الأمم الأخرى - غير النصرانية - في الإسلام، والوقوف أمام انتشار الإسلام بإحلال النصرانية مكانه، أو بالإبقاء على العقائد المحلية المتوارثة.

3- إخراج المسلمين من الإسلام، أو إخراج جزء من المسلمين من الإسلام.

وهذا من الأهداف طويلة المدى؛ لأن النتائج فيه لا تتناسب مع الجهود المبذولة له من أموال وإمكانات بشرية ومادية؛ ذلك لأنه يسعى إلى هدم الإسلام في قلوب المسلمين، وقطع صلتهم بالله تعالى، وجعلهم مسخًا لا تعرف عوامل الحياة القوية التي لا تقوم إلا على العقيدة القويمة والأخلاق الفاضلة.

4- بذر الاضطراب والشك في المُثُل والمبادئ الإسلامية، لمن أصروا على التمسك بالإسلام، ولم يُجْدِ فيهم الهدف الثالث سالف الذكر، وقد تكرر هذا الهدف في محاولات المنصر المعروف السمَوْءَل (صاموئيل) زويمر الذي خاص تجربة التنصير في البلاد العربية بعامة، وركز على منطقة الخليج العربية بخاصة.

وقد أرسل إلى لو شاتليه رسالة في 7 / 8 / 1329 هـ - 2 / 8 / 1911 م قال فيها: "إن لنتيجية إرساليات التنصير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد، ومزية هدم، أو بالحري مزيتي تحليل وتركيب، والأمر الذي لا مرية فيه هو أنَّ حظ المنصرين من التغيير - الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه الخلقية في البلاد العثمانية والقطر المصري وجهات أخرى - هو أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية منه، ولا ينبغي لنا أنْ نعتمدَ على إحصائيات التعميد في معرفة عدد الذين تنصروا رسميًّا من المسلمين؛ لأننا هنا واقفون على مجرى الأمور، ومتَحَقِّقون مِن وُجُود مئات من الناس انْتَزَعُوا الدِّين الإسلامي من قلوبهم، واعتَنَقُوا النصرانية من طرف خفي".

ويعقب شاتليه على رسالة زويمر بقوله: "ولا شك أن إرساليات التنصير من بروتستانتية وكاثوليكية تعجز عن أن تزحزحَ العقيدة الإسلامية من نفوس مُنْتَحِليها، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية، فبِنَشْرِها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يتحكك الإسلام بصحف أوروبا، وتتمهد السبُل لتقدم إسلامي مادي، وتقضي إرساليات التنصير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها.

5- الإيحاء بأنَّ المبادئ والمُثُل والتعاليم النصرانية أفضل من أي مُثُل ومبادئ أخرى، لتحل هذه المثل والمبادئ النصرانية محل المبادئ والمثل الإسلامية.

6- الإيحاء بأنَّ تقدُّم الغربيين الذي وصلوا إليه إنما جاء بفضل تمسُّكهم بالنصرانية، بينما يُعزى تأخر العالم الإسلامي إلى تمسُّكهم بالإسلام، وهذا منطق المنصِّرين المُتَمَسِّكين بنصرانيتهم.

أما العلمانيون فإنهم يُقَرِّرون أن سرَّ تقدم الغرب إنما جاء لتخلِّيهم عن النصرانية، وأن تخلُّف المسلمين يعود إلى إصرارهم على التمسك بدينهم!

7- تعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي الأبيض على بقية الأجناس البشرية الأخرى، وترسيخ مفهوم الفوقية والدونية، تعضيدًا للاحتلال بأنواعه، والتبعية السياسية من الشعوب والحكومات الإسلامية للرجل الأبيض، ومن ثَمَّ يستمر إخضاع العالم الإسلامي لسيطرة الاحتلال، ويستمر التحكم في مقدراته وإمكاناته.

8- ترسيخ فكرة قيام دولة ووطن قومي لليهود في أي مكان أولًا، ثم في فلسطين المحتلة بعدئذ، أخذًا في الحسبان أن الإنجيل - العهد الجديد بعد تحريفه بأيدٍ يهودية - يتضمن تعاليم تدعو إلى هذه الفكرة، وأنها أضحت واجبًا مُقَدَّسًا على النصارى، ومن ناحية أخرى التخلص من الجنس اليهودي من أوروبا ثم أمريكا الشمالية، وتجميعهم في مكان واحد، وهذا هدف فرعي لذلك الهدف العقدي، ولم يتم هذا رغم استمرار تجمع اليهود في فلسطين المحتلة.

9- التغريب، وذلك بالسَّعي إلى نقل المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته، بأنواعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري والعقدي من أصالتها الإسلامية، إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة، وهي المستمَدَّة من خلفيَّة دينية نصرانيَّة أو يهودية، وفي هذا يقول سيرج لاتوش في كتابه تغريب العالم: "إنَّ تغريب العالم كان لمُدَّة طويلة جدًّا - ولم يكف كليًّا عن أن يكون - عَمَليَّة تنصير: إنَّ تكريس الغرب نفسه للتبشير بالمسيحية يتَّضح تمامًا قبل الحروب الصليبية الأولى، في انطلاقات التنصير قسرًا، وإن مقاومة شارل مارتل في بواتييه، وأكثر من ذلك تحويل السكسون إلى المسيحية بوحشية، على يد القديس بونيفاس (680 - 754م) : ألا يشكل ذلك الحرب الصليبية الأولى، وأقصد القول بأنه شهادة لتأكيد ذاتية الغرب كقعيدة وكقوة؟ وهكذا نجد أنَّ ظاهِرة المنصِّرين بالمسيحية هي بالتأكيد حقيقة ثابتة للغرب، باقية في ضميره بكُلِّ محتواها الديني، يجدها الإنسانُ دائمًا في العمل تحت أكثر الأشكال تنوُّعًا، واليوم أيضًا، فإنَّ أغلب مَشْرُوعات التَّنْمية الأساسية في العالم الثالث تعمل بطريق مباشر أو غير مباشر تحت شارة الصَّليب.

10- والهدف الذي يذكر هنا متأخرًا قصدًا هو إدخال النصرانية أو إعادتها إلى عددٍ كبير من البلاد الإسلامية وغيرها، وبخاصَّة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وفي هذا يقول روبرت ماكس أحد المنصِّرين من أمريكا الشمالية: "لن تَتَوَقَّف جُهُودُنا وسعيُنا في تنصير المسلمين، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قُدَّاس الأحد في المدينة".

ويأتي هذا الهدفُ متأخِّرًا في الترتيب؛ لأنه قد تبَيَّن مِن تجارب المنصرين في المجتمعات الإسلامية بخاصة، والتي وصل إليها الإسلام بعامة، أنه ليس بالضرورة أن يكونَ هذا الهدف هو إدخال الآخرين في النصرانية، بقدر ما هو محاولة لضمان استمرار سيطرة النصرانية على الأمم الأخرى.

ويمكن القول بأن هذه الأهداف المذكورة أعلاه تمثل مجمل ما يسعى المنصرون بعامة إلى تحقيقه في حملاتهم التنصيريَّة.

• وسائل التنصير[13]:
إذا عَرَفْنا أهدافَ التنصير، فلْنَعْلَم أن النصارى يسْعَوْن بكلٍّ وسيلة لتحقيق مِثْل هذه الأهداف، فهناك وسائل صريحة وأخرى خفيَّة، وقد استخدم المنصرون ثلاثة مجالات لتطبيق وسائلهم عليها، ألا وهي:
التعليم، والطب، والمطبوعات والصُّحف والنشرات والمطابع، ووسائل الإعلام، والجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية، ودور العجزة والمسنين، وتقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين.

أولًا: التعليم: فقد سلك المنَصِّرون طرقًا لنشر التنصير في أركانه بعدة طرق منها:
أ- الإكثار من إنشاء المدارس ورياض الأطفال، فإن الوسيلة التي تأتي بأحسن الثمار في تنصير المسلمين إنما هي تعليم الأولاد الصغار، وفي هذا الصدد يقول جون موط: "إن الأثر المفسد في الإسلام يبدأ باكرًا جدًّا، مِن أجل ذلك يجب أن نحمل الأطفال الصغار إلى المسيح قبل بلوغهم الرشد، وقبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها الإسلامية".

ب- إنشاء الجامعات والكليات النصرانية، كالكليات القبطية والمدارس النصرانيَّة، والجامعة الأمريكية في كل من بيروت والقاهرة، وجنين بفلسطين، يقول نبروز رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت (1948-1954م): "لقد برهن التعليم على أنه أثمن الوسائل التي استطاع المنصرون أن يلجؤُوا إليها في سعيهم لتنصير سورية ولبنان"، وتقول المنصرة أنا ميليغان: "في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهم باشاوات وبكوات، وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وليست ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة".

وعن الجامعة الأمريكية في القاهرة يقول المنصرون: "لا بُدَّ من إنشاء مدرسة جامعية نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها، وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة، وأن العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مصر مركز عمل للتبشير، لنسرع بإنشاء هذا المعهد المسيحي لتنصير البلدان الإسلامية".

ج - اختيار المدَرِّسين والمعلِّمين وفق مقياس خاص، فالمدرس يجب أن يكون أجنبيًّا غير وطني، وإذا دعتِ الحاجةُ إلى معلم وطني، فلْيَكُن مسيحيًّا في الدرجة الأولى، وفي المناطق التي لا يوجد فيها أمثال هؤلاء: فليكن ممن مسخت أفكارهم وعقائدهم، ولا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه.

وأذكر ها هنا قصة حدثت معي خصيصًا في مجال التعليم:
إذ ذهبتْ إحدى المعلِّمات إلى مدرسة نصرانية للعمل فيها كمدرسة للغة العربية، ثُمَّ إذ بها تجد أن كثيرًا من أبناء المسلمين داخل هذه المدرسة! وكانت الشروط التي أملاها المدير النصراني:
1- عدم ترتيل القرآن بالتجويد مطلقًا، أو بصوت، بل قراءته قراءة عادية!

2- كل يوم صباحًا يدخل القسيس لرش ماء مبروكٍ على التلاميذ لينشطوا.

3- عدم الصلاة في المدرسة مُطلقًا.

4- تدريس الآيات القرآنية للمسلمين وغير المسلمين كتدريس النص الشعري تمامًا!

5- حفظ قطع من الإنجيل للمسلمين وغير المسلمين!

6- ممنوع تدريس التربية الدينية الإسلامية في المدرسة.

7- عمل حصص عن المسيح وألوهية المسيح في "الحصص الفاضية".

8- تفريق الهدايا والجوائز على الطلاب النصارى فقط؛ لأنهم "مسيحيون" أما المسلمون فلا؛ لأنهم مسلمون، وعندما يسأل الطلاب المسلمون يقول الآخرون لهم: لأننا مسيحيون اخْتَصَّنا المسيحُ بهذه الجوائز، فكونوا مثلنا لتأخذوا الجائزة!

د- ملأ الكتب بالشبهات والتشكيكات، والدس على الإسلام وأهله، وإحالة الطلبة على المراجع التي كتبها المنصرون والمستشرقون.

هـ- إجبار الطلاب المسلمين على دخول الكنيسة، والاستماع إلى مواعظ الأحد الدينية والقيام بالطقوس المسيحية، ولقد صرَّح بهذا الأمر عمدة الجامعة الأمريكية في بيروت عندما أصدر بيانًا سنة 1909م، جاء فيه: "إن هذه الكلية مسيحية، أسست بأموال شعب مسيحي، هم اشتروا الأرض، وهم أقاموا الأبنية، وهم أنشؤُوا المستشفى وجهَّزوه، ولا يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها هؤلاء، وكل هذا قد فعله هؤلاء ليوجدوا تعليمًا يكون الإنجيل من مواده، فنعرض منافع الدين المسيحي على كل تلميذ، هكذا نجد أنفسنا ملزمين بأن نعرض الحقيقة المسيحية على كل تلميذ، وإن كل طالب يدخل إلى مؤسساتنا يجب أن يعرف مسبقًا ماذا يطلب منه".

و- غرس مَبَادئ التربية الغربية وأنماط السلوك الغربي في نفوس المسلمين وحياتهم، حتى يشبوا مُقَلِّدين للغرب الكافر، وقد استَخَفُّوا بالأخلاق والقيم الإسلامية، وهذا ما نجده في طلابنا وتلامذتنا الآن في الصلاة إذ تجدهم يلبسون "التيشرت" القصير الذي يظهر العورة تقليدا للموضة الغربية، وفي المحلات نجد أن اللغة العربية ماتت واستبدلت الإنجليزية بها، حتى إنه من العجب أن تجد الكلمات الإنجليزية مكتوبة بالعربية؛ مثل: باد بوي للملابس الجاهزة، سنتر سي آي إيه للتعليم الثانوي، فانتاستيك آند أندرفول... إلخ.

ثانيًا: الطب:
يُعتبر الطب مِن أكرم المهن الإنسانية، وأرقى المهن من حيث المستوى والثقافة، ولكن كيف يكون موجودًا ولا يستغله المنصرون في نشر تنصيرهم يقول المنَصِّر الطبيب "بول هاريسون": "إن المنصر لا يرضى عن إنشاء مستشفى... لقد وجِدْنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى"، ويقول المنصر موريسون: "نحن متفقون بلا ريب على أن الغاية الأساسية من أعمال التنصير بين المرضى الخارجين في المستشفيات: أن ندخلهم أعضاء عاملين في الكنيسة المسيحية الحية"، وتقول المنصرة إيراهايس ناصحة الطبيب النصراني الذاهب في مهمة تنصيرية: "يجب أن تنتهز الفرصة لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فتكرّز - فتبشر - لهم بالإنجيل.

لقد أنشأ المنصرون في كثير من ديار الإسلام المستشفيات والمستوصفات ودور العلاج، يعالجون المرضى باسم المسيح، ويخبرونهم أنه الشافي لهم، وأن الإيمان به شفاء ونجاة!

ومن عَجَب أنَّ المنصرون القساوسة في مصر يحثون أبناءهم على دخول كليات الطب، فتجد أن كثيرا من الطلاب النصارى يدخلون كلية الطب، والصيدلة! فأين نحن يا مسلمون؟!

ثالثًا: المَطْبُوعات والصُّحف والنشرات والمطابع:
اهتَمَّ التنصير بالمطبوعات والنشرات وإصدار الجرائد والمجلات التنصيريَّة، فأنشؤُوا مطابع نصرانيَّة خاصَّة بهم؛ كدار النَّشر الأسقُفية، وكدار الكتاب المقدس، والمطبعة الأمريكية في بيروت، والمطبعة الكاثوليكية في بيروت أيضًا، ودعموها بأقل الأسعار حتى إن المرء ليزهل من قلة أسعار الكتب!

كذلك عملوا على إصدار جرائد يومية خاصة بهم؛ كالجريدة التي تصدرها دار النشر الأسقفية في مصر، والتي يكتب بها أراذل الناس من البشر؛ كفاطمة ناعوت (المسلمة اسمها، الكافرة اعتقادًا)!

وقد جاء في تقرير للندوة العالمية للشباب الإسلامي عن النشاط التنصيري في إفريقيا: لقد تمّ توزيع 610 عنوانًا لكتب تنصيرية مطبوعة بلغات مختلفة، ومئات الملايين من الكتب المطبوعة والتي تم نشرها، و24.900 مجلة متنوِّعة يُوَزَّع منها ملايين النسخ، ووزعوا 112 مليون نسخة إنجيل في عام 1987م، وتم ترجمة الإنجيل إلى652 لغة ولهجة إفريقية مقابل سبع لغات تم ترجمة القرآن لها فقط، و5445 لغة ولهجة تم ترجمة وتسجيل الإنجيل في أشرطة، وتم توزيع عشرات الملايين من هذه الأشرطة.

رابعًا: استخدام وسائل الإعلام:
يَستخدم المنصرون وسائل الإعلام في تحقيق أغراضه التنصيرية، ومنها: الإذاعة المسموعة والمرئية، والصحافة، والمسرح، وشرائط الفيديو والإنترنت ونحوها، ومن أشهر الإذاعات التنصيرية إذاعة منتوكارلوا الفرنسية، وحسب إحصائية عام 1416هـ يملك المنصرون (52) إذاعة في إفريقيا.

وقد أُنشِئَتْ قنوات نصرانية تُذاع من الكنيسة مباشرة، وتقدم برامج تنصيرية مثل قناة: (v†c) وهي قناة الكنيسة القبطية، والرجاء، والكرمة، والحياة، ومعجزة، وأغابي الأرثوذوكسية، ونور سات، الطريق... وغيرها.

خامسًا: الجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية، ودور العجزة والمسنين:
إن الجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية من أخطر الوسائل التي يستخدمها المنصرون في نشر تنصيرهم على المسلمين؛ فقد جاء في كتاب مؤتمر العاملين المسيحيين بين المسلمين ما يلي: "نحن نعني بالعمـل الاجتماعي المسيحي تطبيـق مبادئ يسوع المسيح في جميع الصلات الإنسانيـة، إن المسلمين يدَّعون أن في الإسلام ما يلبي كل حاجة اجتماعية في البشر، فعلينا أن نقاوم الإسلام دينيًّا بالأسلحة الروحية، فالنشاطُ الاجتماعي يجب أن يوافقَ التعليم المباشـر للإنجيل ويُساعده ويُتمِّمه.

من أجل ذلك ننصح بالسَّيْر في الأعمال الاجتماعية على الأسس التالية: إيجاد بيوت للرجال والنساء، خصوصًا الطلبة منهم ومنهن، وإيجاد أندية للاعتناء بالتعليم الرياضي وبأعمال الترفيه، وحشد المتطوعين لأمثال هذه الأعمال، وبما أن جمعية الشباب المسيحية وجمعية الشابات المسيحيات قد نصَّبتا نفسهما للوصول إلى الشباب المسلم، فالواجب يقضي أن تشجعا فتتسع دائرة عملهما فتشمل الجماعات المسؤولة عن المسلمين"، ويقول المنصر أديسون: "إن فروع جمعية الشبان المسيحية قد نشرت في الشرق الإسلامي لتكون عونًا على تغلغل التنصير المسيحي".

كذلك يدخل في هذا دور الأحداث الصغار، وهي خطيرة جدًّا، وقد حُكِي لي أن أحد الدعاة ذهب لزيارة إحدى هذه الدور فوَجَد القساوسة تتردد على الدار، فطلب منه مأمور (السجن) أو الدار أنْ يكثف المشايخ زيارتهم هنا لأن القساوسة تُحاوِل تَنْصير الأطفال داخل الدار، ويَتَعَلَّقون بالقساوسة جدًّا؛ لأن يغدقون عليهم المال، والملابس، ويعدونهم بعمل بعد الخروج، كذلك يعطونهم الهدايا.

ويَدْخُل في ذلك أيضًا زيارة المرضى في المستشفيات، وإغداق الهدايا والأموال عليهم، ووعدهم بالعمل بعد الشفاء!

سادسًا: تقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين:
استغل المنصرون الفقر والجوع أسوأ استغلال فقاموا بتقديم المساعدات المالية والعينية لفقراء المسلمين فها هو المنصر دوغلاس يعترف أن الجماعات التنصيرية قد استغلت تقديم الطعام والكساء للفقراء المسلمين وخاصة الأطفال منهم في إبعادهم عن الإسلام، وما نراه من منظمة الصحة العالمية وما تفعله أكبر دليل على ذلك.

كذلك ما نراه في الصومال وما يحدث فيها من كرب وشدة ليُعْلِمَنا أن التنصير لا يترك حادثة صغيرة ولا كبيرة إلا استخدمها.

سابعًا: البعثات الجامعية والمنح والقروض للطلاب المحتاجين:
استغل المنصرون الشباب المسلم وأغووهم ببريق البعثات الأمريكية والمنح التعليمية، وقاموا باختيار بعض الطلاب المسلمين لإرسالهم إلى أوربا وأمريكا كي يُكْسِبوهم شيئًا من أساليب الحياة الغربية، والاتجاهات الفكرية الغربية، ثم ما يلبث هؤلاء إما أن يكونوا نصارى بالفعل، أو ممالئين لهم، وهذا قديم من أيام محمد علي - عليه من الله ما يستحق - ورفاعة الطهطاوي، وغيرهم وغيرهم، وما طه حسين عنا ببعيد!

كانت هذه أهم وسائل التنصير، والتي يجب أن يَعْلَمَها الجميعُ لنحذر أننا على شفا حفرة من نار التنصير في بلادنا العربية. فاللهُمَّ سَلِّم.

ثانيًا: الاستشراق:
قالوا: حركة علمية! وقد كذبوا والله!


إنه لمن الخطأ الفاحش أن نطلق على الاستشراق حركة علمية، لا تهدف إلى شيء إلا أنها تدرس تراث شرقنا؛ اعتقاده ولغته وأدبه وتاريخه، بل هي حركة استعمارية تتخذ من التراث ساترا لمحاربة الإسلام، غرضها التشكيك في مصادره، ووضع السم في العسل لنظل تابعين قابعين لهم!

إن الاستشراق في حقيقته غزو فكري، وامتداد للاحتلال، احتلال الأرض، واحتلال الفكر، فمن ظن أن الحرب انتهت فقد أخطأ، ومن ظن أنهم لا يكيدون لنا فهذا نائم؛ فبماذا نفسر احتلال العراق، وأفغانستان! إن الغرب بالغزو الفكري يجعل الشعوب تعيش في وهم كبير.

أما المستشرقون فكما سلف فهم امتداد للحروب الصليبية، وهي شكل من أشكاله، فالمستشرق يجيء إلى الإسلام لابسا ثوب العلم - زُورًا وبهتانًا - ومدعيًا البحث عن الحقيقة، ولكن النية قد عقدت وبُيِّتَتْ على الطعن في الإسلام ومصادره.

ورَحِم الله حَبَنَّكَة الميداني عندما وضعها في أجنحة المكر الثلاثة، فقال رحمه الله (1 / 120): "الاستشراق تعبير أطلقه غير الشرقيين على الدراسات المتعلقة بالشرقيين: (شعوبهم وتاريخهم وأديانهم ولغاتهم وأوضاعهم الاجتماعية وبلدانهم وسائر أراضيهم وما فيها من كنوز وخيرات وحضاراتهم وكل ما يتعلق بهم)، وكان هدفُ الغربيين من هذا الإطلاق العام الذي يشمل كل الشرق والشرقيين، مسلمين أو غير مسلمين، أن يكون غطاءً للهدف الأساسي، الذي هو دراسة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين لخدمة أغراض التبشير من جهة، وأغراض الاستعمار الغربي لبلدان المسلمين من جهة أخرى، ثم لإعداد الدِّراسات اللازمة لمُحارَبة الإسلام، وتحطيم الأمة الإسلامية وتجزئتها، وتفتيت وحدتها، ثُمَّ تَوَسَّعَت الدِّراسات الاستشراقيَّة بعد توسُّع الاستعمار الغربي في الشرق، فتناولتْ جميع ديانات الشرق وعاداته وحضاراته وجغرافيته وتقاليده ولغاته وكل ما يتعلق به".

دوافع المستشرقين:
يمكن تقسيم دوافع المستشرقين إلى دوافع خمسة هي:
1- دافع ديني.

2- دافع استعماري.

3- دافع تجاري.

4- دافع سياسي.

5- دافع علمي.

أولاً: الدافع الديني:
إنَّ الحِقْدَ الدَّفينَ المُتَجَذِّر داخل الرهبان حسرة على انتشار الإسلام ليظهر بقوة على وجوههم قبل ألسنتهم، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، فالرهبان النصارى الذين اشتغلوا بالدراسات الاستشراقية كان همهم أن يطعنوا في دين الإسلام، ويشوهوا محاسنه، ظنًّا منهم أن ذلك ممكن؛ يقول لورنس براون: "إن دين المسلمين دين دعوة، إن الإسلام انتشر بين النصارى وغير النصارى، ثم إن المسلمين كان لهم كفاح طويل في أوربا، فأخضعوها في مناسبات كثيرة"، ويقول مصطفى السباعي[14]: "فقد بدأ بالرهبان - كما رأينا - واستمر كذلك حتى عصرنا الحاضر - كما سنرى - وهؤلاء كان يهُمُّهُمْ أنْ يطعنوا في الإسلام، ويُشَوِّهُوا محاسنة، ويُحَرِّفُوا حقائقه؛ ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدِّينِيَّةِ أنَّ الإسلام - وقد كان يومئذٍ الخصم الوحيد للمسيحية في نظر الغربيِّين - دينًا لا يستحق الانتشار، وأنَّ المسلمين قوم همج لصوص وسفَّاكُو دماء، يحثهم دينهم على الملذات الجسدية، ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي. ثم اشتدَّتْ حاجتهم إلى هذا الهجوم في العصر الحاضر، بعد أنْ رأوا الحضارة الحديثة قد زعزعت أسس العقيدة عند الغربيِّين، وأخذت تشككهم بكل التعاليم التي كانوا يتلقونها عن رجال الدين عندهم فيما مضى، فلم يجدوا خيرًا مِن تشديد الهجوم على الإسلام لصرف أنظار الغربيِّين عن نقد ما عندهم من عقيدةٍ وكُتُبٍ مُقَدَّسةٍ، وهم يعلمون ما تركتْهُ الفتوحات الإسلامية الأولى، ثم الحروب الصليبية، ثم الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد ذلك في نفوس الغربيِّين من خوف من قوة الإسلام وكرهٍ لأهله، فاستغلوا هذا الجو النفسي، وازدادوا نشاطًا في الدراسات الإسلامية، وهناك الهدفُ التبشيري الذي لَم يتناسَوه في دراساتهم العلميَّة، وهم قبل كلِّ شيء رجال دين، فأخذوا يهدفون إلى تشويه سُمعة الإسلام في نفوس رُواد ثقافتهم من المسلمين؛ لإدخال الوهن إلى العقيدة الإسلامية، والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية وكل ما يتَّصل بالإسلام من علم وأدب وتراث" ا. هـ.

قال حَبَنَّكَة الميداني: "فهدف هذا الدافع - أي: الدافع الديني - هو إخراج المسلمين عن دينهم، فإن أمكن تنصيرهم فذلك، وإلا فإبقاؤهم لا دين لهم مطلقًا هدف مرجو يحقق للنصارى منافع ومصالح سياسية واقتصادية واستعمارية وغير ذلك.

ولإخراج المسلمين عن دينهم وسائل كثيرة، منها:
1- تنفير المسلمين من دينهم وحملهم على كراهيته.

2- تشويه الإسلام، والتشكيك في أسسه، وتوجيه المطاعن له.

3- تشويه التاريخ الإسلامي، وتشويه حضارة المسلمين، وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث.

4- نبش الحضارات القديمة، وإحياء معارفها، وبعث الطوائف الضالة والحركات الهدامة القديمة.

5- تزيين ما في المسيحية من تعاليم وأحكام.

6- استدراج المسلمين للأخذ بالحضارة المادية الحديثة، وما فيها من مغريات.

7- ادعاء أن الفقه الإسلامي مقتبس من القانون الروماني.

8- ادعاء أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتلاءم مع التطور الحضاري.

9- الدعوة إلى نبذ اللغة العربية وتبديل طريقة كتابتها"[15].

10- الانتقاص من الإسلام حتى لا يلتفت النصارى إلى نقد العقيدة النصرانية التي لا يقبلها العقل، ونقد الكتب المقدسة المحرَّفة عندهم.

11- إثارة الشبهات والشكوك في مصادر التشريع الإسلامي، والزعم بأن أصوله ومبادئه مستمدة من اليهودية والنصرانية.

ثانيًا: الدافع الاستعماري:
بعد أن خيب الله تعالى آمال النصارى أصحاب الصليب وهزموا من المسلمين شر هزيمة، وطردوا شر طردة من ديارهم، بدؤوا يدرسون البلاد دراسة عميقة لاحتلالها من جديد، فكانت الدراسات الاستشراقية بغية تحقيق ما يلي[16]:
1- اكتشاف مواطن القوة في الشعوب المسلمة - عناصر المقاومة الإسلامية الروحية والمعنوية- التي تقف حائلاً أمام السيطرة الاستعمارية، ثم بث عوامل الوهن والارتباك في تفكير المسلمين، لإفقادهم الثقة بأنفسهم وتراثهم، وتنمية مواطن الضعف التي تجعل في المسلمين قابلية للاستعمار بأشكاله وأساليبه الحديثة والمعاصرة.

2- العمل على ارتماء الشعوب المسلمة في أحضان الغرب الاستعماري، والإقبال على الأفكار والثقافات الغربية المادية اللادينية.

4- إحياء الدعوات والنعرات الجاهلية، وإحلال المفاهيم القومية والوطنية الضيقة، ومن ثم تشتيت شمل الأمة المسلمة الواحدة التي تجمعها رابطة: وحدة العقيدة وأخوة الإيمان.

يقول القس سيمون: "إنَّ الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوربية"، ويقول لورانس بروان: "الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قوته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي"، ويقول غاردنز: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا".

ثالثاً: الدافع السياسي:
"قبل الاستعمار وبعد تحرُّر البلاد الإسلامية منه، رأت الدوائرُ الاستعمارية أن حاجتها السياسية تقضي بأن يكون لها في قنصلياتها، وسفاراتها ومندوبيها في الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية، من لديهم زادٌ جيد من الدِّراسات الاستشراقية، ليقوم لهم هؤلاء بمهمات سياسية متعددة مرتبطة بالشعوب الإسلامية، وبلدان العالم الإسلامي، ومنها ما يلي:
1- الاتصال بالسياسيين والتفاوض معهم، لمعرفة آرائهم واتجاهاتهم.

2- الاتصال برجال الفكر والصحافة للتعرف على أفكارهم وواقع بلادهم.

3- بث الاتجاهات السياسية التي تريدها دولهم، فيمن يريدون بثها فيهم، وإقناعهم بها.

4- الاتصال بعملائهم وأجرائهم الذين يخدمون أغراضهم السياسية داخل شعوب الأمة الإسلامية.

وكم بثَّ حاملو هذا الدافع في شعوب المسلمين من أفكار؟! وكم دسوا من دسائس؟! وكم استخدموا من أجراء لإثارة الفتن، وإقامة ثورات وانقلابات عسكرية؟! إلى غير ذلك من أعمال.

فهدف هذا الدافع: تحقيق غايات سياسية، تريد تحقيقها الدول الموجهة لهذا النوع من الدراسات لتسيير دول العالم الإسلامي في أفلاكها"[17].

رابعًا: الدافع الاقتصادي والتجاري:
كان أهم دافع بعد ما سبق الدافع الاقتصادي؛ إذ إن البلاد الإسلامية ملآنة بالأسواق التجارية والمؤسسات المالية والخيرات الوفيرة، لذا أراد الغرب الكافر أن يكون مسيطرًا على خيراته وموارده، ليكون صاحب الأمر والنهي، صاحب القوة، وهذا ما نشاهده الآن في العراق وليبيا وغيرهما من البلدان الإسلامية.

لذا "وَجَّهَت المؤسساتُ الاقتصادية الغربية مَن يهتمون بالدراسات الاستشراقية، ليكونوا وسطاءهم ورسلهم ومستشاريهم والمترجمين لهم في مهماتهم ومطالبهم الاقتصادية أو أبدت استعدادها لاستخدام من يعمل لهم في هذا المجال، فاتجه فريق من الغربيين لهذه الدراسات، طمعًا بأن يجدوا أعمالاً لهم لدى المؤسسات الاقتصادية"[18]، ويقول السباعي في هذا الصدد: "ومن الدوافع: رغبة الغربيِّين في التعامل معنا لترويج بضائعهم وشراء مواردنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان ولقتل صناعتنا المحلية التي كانت لها مصانع قائمة مزدهرة في مختلف بلاد العرب والمسلمين"[19].

خامسًا: الدافع العلمي:
من المستشرقين - وهم قلة - مَن أقبلوا على الاستشراق بدافع من حب الإطلاع على حضارات الأمم وأديانها وثقافاتها ولغاتها، وهؤلاء كانوا أقل من غيرهم خطأً في فهم الإسلام وتراثه؛ لأنهم لم يكونوا يتعمَّدون الدَسَّ والتحريف، فجاءت أبحاثهم أقرب إلى الحق وإلى المنهج العملي السليم من أبحاث الجمهرة الغالبة إلى المُسْتَشْرِقِينَ، بل إنَّ منهم من اهتدى إلى الإسلام وآمن برسالته. على أنَّ هؤلاء لا يوجدون إلاَّ حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الاستشراق بأمانة وإخلاص؛ لأنَّ أبحاثهم المُجَرَّدة عن الهوى، لا تلقى رواجاً، لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين، ومن ثمة فهي لا تَدُرُّ عليهم ربحاً ولا مالاً؛ ولهذا ندر وجود هذه الفئة في أوساط المُسْتَشْرِقِينَ[20].

"وقد أعلن بعض هؤلاء إسلامه، ومن هؤلاء: المستشرق النمساوي ليوبلد فايس الذي تسمى بـ: محمد أسد، والشاعر الألماني جوتيه، والفرنسي واتين وانيه الذي تسمى ب ناصر الدين، والدكتور جرينيه الذي كان عضواً بمجلس النواب الفرنسي، وروجيه جارودي الذي دوَّن عدة كتب يدافع فيها عن حق الفلسطينيين العرب في وطنهم. ولقد تحوَّل هؤلاء بعد إسلامهم إلى جنود مدافعين عن الإسلام وقضاياه، وعن العالم الإسلامي وقضاياه ومشكلاته، غير أن بعضاً منهم قد وقع في أخطاء علمية بسبب حداثة إسلامهم، وجهلهم بأساليب اللغة العربية وطرائق التعبير فيها"[21].


ثالثا: التغريب:
ترك المستشرقون في ديار الإسلام بعد طرد المسلمين لهم من ديارهم جيشا لا حصر له، يعمل ليل نهار على إكمال دور الاحتلال، ولكن دورهم كان السطو الفكري، وبث حضارة الغرب في عقول الشباب شيئًا فشيئًا، وذلك من خلال تلميعهم وتقديمهم في وسائل الإعلام على أنهم هم المفكرون، المثقفون، النخبة، ثم تنشر هذه الأسماء على مرآى ومسمع كل شباب؛ فينخدع الشباب بهم، وما أمثال: طه حسين، ونجيب محفوظ، وقاسم أمين، وغيرهم عنا ببعيد!

ولكن لما وقف لهؤلاء جيش عاقل، يفهم أساليبهم وطرقهم، غيروا طريقهم ومن ذلك أنه: "لما ثار نقاش في الأزهر حول الإمام الزهري عام 1360 هـ قال الدكتور أحمد أمين للدكتور علي حسن عبد القادر وهو الذي أثيرت الضجَّة حوله: "إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبًا من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريين على أنها بحث منك، وألبسها ثوبًا رقيقًا لا يزعجهم مسها، كما فعلت أنا في "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، هذا ما سمعتُه من الدكتور علي حسن يومئذٍ نقلاً عن الأستاذ أحمد أمين"[22].

فمثل هذا الكلام يلفت الأنظار إلى مدى اللف والدوران، ومدى الإخفاء والتمويه الذي يمارسه دعاة التغريب على بلادنا، ممن يتسمون بأسمائنا، ويدينون بديننا!

ثم يأتي بعضهم ويقول: لا يوجد ما يسمى باسم التغريب، وهذا محض خرافة! ويرد الأستاذ أنور الجندي على أمثال هؤلاء قائلاً: "إنَّ التغريب لَم يَعُدْ بعدَ هذا الوقت الطويل مَوْضِع تساؤل أو تشكيك، وربما كان كذلك في الثلاثينيات؛ حيث كان يُغطي العالم الإسلامي والأمة العربية ظلامٌ كثيفٌ، وكانت هناك حقائقُ كثيرة ما تزال محجوبة، ولعل أهمها: بروتوكولات صِهْيَوْن التي ظهرتْ في العالم كله عام 1902 م حتى عام 1952 م تقريبًا، وإلى ما بعد أن قامتْ إسرائيل في قلْبِ الأمة العربيَّة.

ولقد كشفَ هذه الحقيقة دعاةُ التغريب أنفسُهم، ولعل أول وثيقة في هذا المجال هي كتاب: (وجهة الإسلام)، الذي ألَّفَه "هاملتون جب" مع جماعةٍ من المستشرقين، وأعلن فيه صراحةً أنَّ هدف البحث هو معرفة: "إلى أيِّ حدٍّ وصلتْ حركة تغريب الشرق، وما هي العوامل التي تَحُول دون تحقيق هذا التغريب"، وذلك للقضاء عليها!

ويُمكن لقارئ الكتاب أن يستكشفَ مناهج التغريب واضحةً، كالسهام تَنْدَفِع في أعماق العيون الضالة والمضللة؛ لتسقط عنها غشاوات الغَباء والجَهْل، وجاء بعد ذلك كثيرون؛ فأشاروا إلى ذلك وأوردوا المصادر والوثائق: من العرب الدكتوران عمر فروخ والخالدي في كتابهم "التبشير والاستعمار"، ومن الغرب: المؤرخ العالمي توينبي في كتابه: (العالم والغرب).

وهناك عشرات الأدلة والوثائق التي تضَعُ الحقيقةَ ناصعةً أمام مَن يُريدها لِوَجْه الحق، ولا يُمالئ فيها خاصَّة لأقطاب التغريب، ودعاة الجنس، وعَمَالِقة الغزو الثقافي[23].

فالتغريبُ في حدِّ ذاته - كما يقول علي جريشة -: هو إحداثُ التغيير الاجتماعي والأخلاقي والفكري في حياة المسلمين، مما يجعلُهم بعيدين عن دينهم، وخاضعين في ذلك للجاهلية الغربية، ومُقتفين آثارها الخلقية والاجتماعية؛ أي: يُصبح المسلمُ غربيًّا أوربيًّا في سُلُوكه وأخلاقه، وقيمه وحياته الاجتماعية[24].

الأسباب التي أدَّتْ إلى تغريب كثير من المسلمين:
1- وُقُوع البلاد الإسلامية تحت سيطرة الغربيين فترة طويلة، ومحاولة الاستعمار الأوربي إحداث التغريب بكلِّ ما يملك من إمكانات، كما فعلتْ فرنسا في كل من الجزائر وسوريا ولبنان.

2- تولية الاستِعمار الغربي أبناءَ النصارى والمنافقين مِن أبناء المسلمين المراكز والمناصِب المهمَّة ذات التأثير في حياتهم.

3- الضَّعف السياسي الذي أصاب المسلمين بعد رحيل عساكر الاحتلال، وفقدان المسلمين الثِّقة بأنفسِهم وبما عندهم.

4- تخلُّف العلوم الإسلامية، وجمود المنهج الدِّراسي على خطه القديم، ووقوف الفكر الإسلامي عن التجديد والابتكار، ومعالجة شؤون العصر.

5- أخْذ المجتَمَعات الإسلامية بنُظُم التعليم الغربيَّة، ففي مصرَ فرَض اللورد كرومر المعتمد البريطاني وبمساعدة من القس دنلوب منهج التعليم والتربية الغربي على الدارسين، ولقد بقي هذا المنهج سائدًا فيها حتى يومنا هذا، وقد تأثَّرَتْ به كثير من البلدان العربية.

6- جهل مُعظم المسلمين بحقائق الإسلام ومفاهيمه، وقلة الدعاة المخلصين الذين يقومون بواجبهم تجاه هذا الدين وأهله[25].

إن حركات التَّغْريب التي مارَسَها الغربُ ومارَسها مُعاوِنوه لَتَدُلُّك على مدى حرص هؤلاء على تحقيق أهدافهم؛ حتى في عمليات السطو الفكري والسرقة على أفكار وأعمال المسلمين، لذا نجد الدكتور محمد ياسين عريبيي يضع نموذجًا لتغريب العقل التاريخي العربي.

قال الدكتور محمد ياسين عريبيي:
نموذج لتغريب العقل التاريخي العربي:
1- نعتمد في تثبيت العقل والفهم العربيين من ديكارت في الفكر الأوروبي الحديث إلى الفكر المعاصر على مطابقة النظريات والنتائج المترتبة عليها، والتركيب فيما بينها، ولا نأبه بالإقرار التاريخي الذي يطالب به المستشرقون ومن في حكمهم، وتكفي الإشارة إلى أن العقل التاريخي العربي تملكه الغرب عن طريق الترجمة اللاتينية وثم تمثله من خلال الصراع معه لمدة تزيد عن خمسة قرون، وهو العقل المكتوب الذي اعتمدت عليه الجامعات الأوروبية كما هو معروف، وللتحقيق يمكن الرجوع لمحاولة فهم هذا العقل من خلال مؤلفات العصر الوسيط بصورة خاصة التي تذكر فيها أسماء الكتب العربية وأسماء أصحابها.

2- أخذ ديكارت في القرن السابع عشر بنظرية الفهم كما وضعها ابن سينا.

3- أخذ كانظ بعده بنحو 140 سنة بنظرية العقل كما وضعها الغزالي.

4- استمرت هاتان النظريتان تحددان صورة الفكر الأوروبي من خلال الدمج والتركيب والتحليل والتركيب في التحليل والتحليل في التركيب.

5- حاول ديكارت فهم نظرية العقل في بداية عهده بالتفلسف كما في كتابه: قواعد لهداية العقلية، بعد أن أدرك السذاجة في الفن الكبير للمبشر ريموند لول، برده الوجود إلى الأشكال الهندسية بدون منهج يقوي على الترتيب المنطقي.

6- يتبع ديكارت فهم الأنوار المغلقة على نفسها عند الغزالي بردها إلى الطبائع البسيطة ليبني عليها وحدة العلوم.

7- يتبع ديكارت في تقسيمه الثلاثي والرباعي والاثني عشري للقواعد في خط مواز لتقسيم الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة مع الفارق في التضمين والمقولات.

8- يحاول ديكارت رد العلم الطبيعي إلى العلم الرياضي عن طريق الرياضة الشاملة ويحاول رد العلم الرياضي إلى المنطق عن طريق الحكمة الشاملة محاولا بذلك فهم علاقة الألف الروحي بالمنطق بالحساب بالهندسة على أساس أن المادة نقطة رياضية كما عند الأشاعرة، التي اكتشف من خلالها إقامة النقطة على الخط المنحني.

9- يأخذ بالشك على غرار شك الغزالي بما في ذلك الشك في الفهم نفسه، ولكنه يثبت من خلال هذا الشك نظرية الفهم كوحدة عليا للعقل بدل تجاوزها إلى العقل كشيء بذاته كما عند الغزالي.

10- يوظف نظرية الفهم السينوي طبقًا لما فعل ابن سينا كما في التوحيد بين الماهية والوجود أنا أفكر إذن أنا موجود لإثبات جوهرية النفس وبساطتها وخلودها[26].


رابعًا: الدعوات والنعرات الهدامة:
إنَّ من أهم وسائل الغزو الفكري للسيطرة على الشعوب - خاصة الإسلامية -: نشر الدعوات والأفكار الهدَّامة، والتي تعمل على نزع الهوية الإسلامية، وسلب الأفكار والعادات العربية واستبدال الغربية بها؛ ففي مصر مثلاً كانتْ أرضُها خصبة لنشر مثل هذه الأفكار؛ من تنصير وتغريب واستشراق، لدرجة أنَّ كل فكرة أراد الغربُ نشرها سخر لها دعاة من المصريين أنفسهم!

فضَعْفُ الانتماء آنذاك، وضعف الوازع الديني، وانتشار الفُحش، وإشاعة الفوضى، وتقويض الإسلاميين، وحظر العمل الإسلامي، كل هذه الأسباب وغيرها أدَّتْ إلى نشر مثل هذه الدعوات!

ومِن أهم هذه الأفكار والنعرات: فكرة فَصْل الدين عن الدولة، تحرير المرأة، والدعوة إلى ترك المرأة للحجاب، تعليم المرأة، وخروج المرأة سافرة متبرجة، والدعوة إلى العامية، واستخدام اللاتينية بدل العربية الفصحى، والدعوة إلى الفرعونية والقومية والاشتراكية، ترك ختان الإناث، نشر فكرة النقاب عادة ولا وجود له في الإسلام، نشر التعليم الغربي والدعوة إلى السفر إلى البلاد الغربية بغرض التمدن والتحضر!

ولو جئنا على كل فكرة من هذه الأفكار لطال الأمر وما انتهى، وذلك لما يحمل القلب من لوعات وآهات على انتشار هذه الأفكار في بلادنا وبكل أسف، ويكفينا في هذا الصدَدِ أنْ نشير إلى فكرة واحدة إشارة سريعة نناقشها باختصار، نوضح فيها كيف استخدم الغربُ الغزو الفكري عن طريق نشر مثل هذه الفكرة!

قلتُ سابقًا: إنَّ كلَّ فكرة أراد الغربُ نشرها، سَخَّر لها دعاةً من المصريين أنفسِهم!

وهذه حقيقة؛ فإذا نظرنا إلى الدعوة إلى تحرير المرأة في القرن الماضي، "فقد كانت دعوة تحرير المرأة جزءًا من منهج كليٍّ شمل كافة اتجاهات الحياة في المجتمع المصري، وتعود خيوطه إلى مدرسة الشيخ/ "محمد عبده" تلميذ "جمال الدين الأفغاني"، أو إن شئتَ فسمه: "المتأفغن"، وقد سارا على الدرب الذي رسمه الطهطاوي وزاد الأفغاني نشاطه المريب وعلاقاته بالمحافل الماسونية وتبَنِّيه لمبادئ الثورة الفرنسية "الماسونية"!

مع وجود بعض الجوانب المشرقة في منهج محمد عبده، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل نشاطه؛ حيث كان له أخطرُ الأثر في عملية "التغريب"، وتقريب الأمة الإسلامية نحو القيم الغربية؛ مما جعل اللورد كرومر يشيد بدعوته وبتلامذته، ويعلق عليهم أمله في تغريب المجتمع المصري، ويذكر أنهم لذلك يستحقون أن يعاونوا بكل ما هو مستطاع من عطف الأوربي وتشجيعه)!

ويكفي للتدليل على خَطر هذه المدرسة أن نقرر دور تلاميذها في إفساد الحياة في مصر:
فهذا "لطفي السيد" يُحيي التاريخ الفرعوني والنعرة الوطنية الإقليمية، ويرعى الدعوة إلى "الحرية"، بمفهومها الغربي الدخيل على الأمة الإسلامية.

وهي كلها مبادئ بلغت مداها على يد تلميذ آخر لمحمد عبده هو (سعد زغلول).

وهذا تلميذه (قاسم أمين) يُفسد الحياةَ الاجتماعية في مصر؛ بدعوته إلى "تحرير المرأة".

لقد كان يريد "محمد عبده" أن يقيم سدًّا في وجه التيار العلماني اللاديني ليحمي المجتمع الإسلامي من طوفانه، ولكن الذي حدَث أن هذا السد أصبح قنطرة للعلمانية، عبرتْ عليه إلى العالم الإسلامي لتحتلَّ المواقع واحدًا تلو الآخر، ثم جاء فريق من تلاميذ "محمد عبده" وأتباعه؛ فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى طريق العلمانية (اللادينية).

وصدق القائل:
رَامَ نَفْعًا فَضَرَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ
space.gif

وَمِنَ البِرِّ مَا يَكُونُ عُقُوقَا".[27]
space.gif




لقد ألَّف قاسم أمين كتابيه: تحرير المرأة 1899م، والمرأة الجديدة 1900م، وفيهما نفث أفكاره وعرض أراءه وشجعه على ذلك محمد عبده بل شارك فيه، ووضع فيه خلاصة فكره، يقول الدكتور/ محمد عمارة: "ففي تحرير المرأة وبالذات في الفصول التي تتناول وجهة نظر الشريعة والدين في هذه القضية، نلتقي بمجموعة من الآراء الفقهية والمناقشات لا يستطيع أن يبحثها ولا أن يستخلصها كاتب مثل قاسم أمين، وأهم من ذلك نجد أحكامًا كلية تدل على أن صاحبها ومصدرها قد استقصى بحث هذا الأمر في جميع مصادره الرئيسة في الفكر الإسلامي على اختلاف مذاهبه وتياراته الفكرية، وهو الأمر الذي لا نعتقد أنه قد توافر في ذلك العصر سوى لقلة قليلة في مقدمتهم جميعًا الأستاذ الغمام محمد عبده"[28].

وإذا ما ذهبنا ننظر آراء قاسم أمين في كتابيه نجد أن يشير إلى:
وجوب مساواة المرأة بالرجل، وأن تفوَّق الرجل البدني سببه استعمال الأعضاء.

إن الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية، لا للتعبد ولا للأدب بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده، والدين منهما براء.

إن الحجاب عائق عن التقدم، ومدعاة للرذيلة وغطاء للفاحشة، والاختلاط يهذب
النفس، ويميت دوافع الشهوة.

الاختلاط بين الجنسين في الاجتماعات يسبغ عليها عذوبة ورقة، فالسّحر الذي تشيعه المرأة في كل مكان توجد فيه شيء ممتع، ونفاذ كعطور الزهور.

طالب بمنع تعدد الزوجات، والاكتفاء بزوجة واحدة.

عدم وقوع الطلاق إلا إذا كان أمام القاضي، وفي وثيقة رسمية بحضور شاهدين.

الدعوة إلى أخذ الحضارة الأوروبية، وإصلاح الأحوال الإسلامية على أسس من العلوم العصرية، وقد طبّق قاسم أمين ذلك عمليًّا إذ أحضر لابنتيه مربيتين، إحداهما فرنسية والأخرى إنجليزية"[29].

"وهذا طه حسين من أبرز الشخصيات المصرية في الدعوة إلى التغريب، ومن أكثرها إلحاحًا في الأخذ به، كما أنه من المغالين في ذلك، وقد ضمن آراءه التغريبية في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، ففيه زعَم أن مصر ذات صلة بأوربا أكثر من الشرق، وأن الثقافة المصرية جزء من الثقافة الغربية الأوربية، وأن الحياة المصرية المادية حياة أوربية، وأن المثل الأعلى للمصري في حياته المادية إنما هو المثل الأعلى للأوربي في حياته المادية، سواء كان في نظام الحكم أو نظام التعليم"[30].

وما أحسن قول الدكتور الشيخ محمد محمد حسين إذ يقول[31]: "أحب أن أسأل الذين يحاولون أن يسوغوا باطلهم الذي يقحمونه على إسلامنا بمزاعم يتحايلون على إلصاقها بالدين ونصوصه، أحب أن أسأل سؤالاً حاسمًا يفرق بين الحق والباطل: هل تعلمون أن أحدًا من المسلمين قد دعا قبل اليوم بدعوتكم؟ فإذا كان ذلك لم يحدث من قبل، فهل تستطيعون أن تزعموا أن صحابة رسول الله، ورضي الله عنهم وفقهاء المسلمين - قد غفلوا جميعًا عن فهم نصوص دينهم حتى جاء هؤلاء الذين أوحى إليهم شياطين الجن والإنس في باريس من أمثال قاسم أمين، فانتكس تفكيرهم بين معاهدها ومباذلها حين لم يعتصموا في دين الله بحبل متين ولم يأووا بهديه إلى ركن رشيد يذود عنهم كل شيطان مريد، وذلك حين بعثوا إلى تلك البلاد لينقلوا إلينا الصالح النافع من علومها وصناعاتها؛ فضلوا الطريق، وعادوا إلينا بغير الوجه الذي بعثوا به، جاء هؤلاء بعد ثلاثة عشر قرنًا من نزول القرآن ليخرجوا للناس حقائق التنزيل التي غاب علمها عن الأولين والآخرين من الفقهاء والمفسرين ويضربوا بإجماع المسلمين في الأجيال المتعاقبة والقرون المتطاولة عرض الحائط، أليس ابتداع هذه الدعوة في ظل الاحتلال الإنكليزي وتزعم فريق من المتفرنجين الذين عرفوا بموالاة ذلك الأجنبي المحتل هو وحده دليلاً كافيًا على إنها طارئة علينا من الغرب، تقليدًا لمذاهب أهله المبتدعين في دينهم بأهوائهم وأهواء رؤسائهم والخارجين على نصرانيتهم وكتابها"! حقًّا، فإنهم قد ذهبوا بغير الوجه الذي ذهبوا به، فأي حرية يريد هؤلاء، إنها حرية الفحش، والعهر، والخنا.

فانظر إلى استخدام أمثال هؤلاء المشاهير أمثال: الأفغاني، ومحمد عبده، وقاسم أمين، وسعد زغلول، ولطفي السيد، في إقرار الباطل، ونشر الدعوات الهدامة، التي تعمل على ضياع هوية المسلمين باسم الإسلام، وضياع العربية باسم العروبة، وضياع الدين باسم الدين، وضياع الأخلاق باسم التحرر والعمل على نشر الفضيلة، إنَّ هؤلاءِ الأقزامَ أثروا كثيرًا في المجتمع - بكُلِّ أسَف - فضاعت هويتنا، وقل إيماننا، وانتشرت الفاحشة، باسم الحرية! فإلى الله المشتكى.


خامسًا: الفِرَق الضالَّة المُعاصِرة:
إنَّ حديثَنا عن الفِرَق الضالَّة ينطَلِق مِن الحديث الذي رواه أبو هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «افتَرَقَت اليهودُ على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفَرَّقَت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فِرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة»[32].

"والمراد بالتفرُّق هنا تفَرُّقهم في الأصول والعقائد لا الفروع والعَمَليات"[33]، وقال العلقمي: قال شيخنا: ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث[34] كتابًا قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه - صلى الله عليه وسلم - لَم يُرد بالفِرَق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب؛ لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضًا، بخلاف النوع الأول، فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف.

وقد حدَث في آخر أيام الصحابة خلاف القدَرية من معبد الجهني وأتباعه، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئًا فشيئًا، إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنتين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية"[35].

وفي هذا رد فصل على من يدعي أن الشيعة مذهب خامس، وأن الخلاف معهم خلاف فقهي، وليس عقديًّا!

أمَّا الفِرَقُ المعاصِرَةُ الباطلةُ فما أكثرها في زمَنِنا؛ فمن يهودية وماسونية، وباطنية، وبهائية... إلخ، ولَوَدِدْتُ أن أتَحَدَّث عن هذه الفِرَق كلها، ولكن ضيقَ الوقت يُقَيِّدني، لذا فأستميح القارئ الكريم في أن أقدِّم الحديث عن فرقةٍ واحدة فقط، ألا وهي البَهائيَّة[36].

وآثرتُ اختيارها لما لها مِن انتشار ذائعٍ في بلداننا العربية، خاصة في مصر؛ أمَّا البهائيَّة فقد ظهرتْ في الآونةِ الأخيرةِ بِجُرْأةٍ كبيرةٍ، وطالبتْ بكتابة الديانة في إثبات الشخصية، ورُفِعَتْ القضايا مِنْ أجْلِ ذلك!

البهائيَّة:
"البهائية إحدى مطايا الاحتلال الصهيوني الغربي، ففي عام 1231 هـ ظهر في العراق رجل مجهول الأصل والمولد والمنشأ، ويذكر بعض الباحثين أنه كان قسيسًا نصرانيًّا، فادعى أن اسمه كاظم الرشتي - ورشت قرية من قرى إيران بالرغم من أن أهل رشت لا يعرفون عنه شيئًا - وقد استغل من مبادئ الشيعة الاثني عشرية فكرة الغائب بالسرداب المنتظر، وفكرة الباب لهذا الغائب، فعمل على إيجاد شخص يضفي عليه هذا اللقب، ويضعه على عينه ليصل بواسطة هذا الباب إلى كل ما يريد.

واتخذ لنفسه مجلسًا، واستطاع أن يستميل إليه بعض ذوي النفوس المنحرفة والقلوب المريضة وجعلهم تلاميذ له.

وكان من أخبث هؤلاء رجل يقال له: حسين البشروئي - من بشرويه إحدى قرى خراسان - أضفى عليه المدعو كاظم الرشتي لقب: كبير التلاميذ، واختاره ليكون المنفذ الحقيقي لهذه المؤامرة البشعة ولقبه باب الباب.

ومن أخطر هؤلاء التلاميذ امرأة أصلها من الشيعة الاثني عشرية كانت تسمى فاطمة بنت صالح القزويني، كانت بارعة الجمال فلقبها أبوها بلقب: زرين تاج؛ لأنها كانت ذات شعر ذهبي، زوجها أبوها وهي صغيرة من ابن عم لها؛ فنفرت منه وانفصلت عنه، واتصلت بكاظم الرشتي بالمراسلة، ونشط هو في مكاتبتها إذ وجد فيها ضالة منشودة له.

ولقبها في رسائله بـ: قرة العين، ودعاها إلى ترك قزوين والحضور إلى كربلاء، غير أنه هلك عام 1259هـ قبل وصولها إليه، وما أن وصلت إلى كربلاء حتى تلقفها حسين البشروئي وبقية تلاميذ الرشتي، وقد صارت أجرأ هؤلاء التلاميذ على إعلان الخروج على الإسلام والدعوة إلى الشيوعية في النساء، ولما أخذت تطبق هذا الأمر علنًا مع بعض تلاميذ الرشتي أطلقوا عليها لقب: الطاهرة، وكان من بين تلاميذ الرشتي شاب يقال له: علي محمد الشيرازي، المولود بشيراز عام 1235هـ الموافق لعام 1819م وقد توفي والده وهو صغير، فكفله خاله علي الشيرازي، وعهد به إلى أحد تلاميذ الرشتي وهو لا يعرف أهدافه ثم رحل به خاله إلى ثغر (بوشهر) على ساحل الخليج في مقابلة الكويت، وافتتح له متجرًا هناك، وقد لاحظ خاله أنه بدأ ينحرف عن مذهب الاثني عشرية وقد أصابته لوثة عقلية كانت تعتريه في بعض الأحيان، فرأى خاله أن يبعثه إلى كربلاء وسنه إذ ذاك عشرون عامًا، فبصر به بعض تلامذة الرشتي وحملوه إلى أستاذهم الذي أخذ يوصي إليه بقرب ظهور المهدي ويدس له من يملأ نفسه بأنه الباب.

ولما مات الرشتي توجه إلى شيراز فأقام حسين البشروئي (قرة العين) مقام الرشتي في التدريس لتلاميذ الرشتي بكربلاء، وكانت قد اصطفت لنفسها من بينهم رجلاً قويًّا يقال له: محمد علي البارفروشي ولقَّبُوه: القُدُّوس"[37].

الأفكار والمعتَقَدات[38]:
1- يعتقد البهائيون أن الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته، وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جميع الأشياء.

2- يقولون بالحلول، والاتحاد، والتناسخ، وخلود الكائنات، وأن الثواب والعقاب إنما يكونان للأرواح فقط على وجه يشبه الخيال.

3- يقدسون العدد 19، ويجعلون عدد الشهور 19 شهرًا، وعدد الأيام 19 يومًا، وقد تابعهم في هذا الهراء المدعو محمد رشاد خليفة، حين ادَّعى قدسية خاصة للرقم 19، وحاول إثبات أن القرآن الكريم قائم في نظمه من حيث عدد الكلمات والحروف على 19، ولكن كلامه ساقط بكل المقاييس!

4- يقولون بنبوة بوذا، وكنفوشيوس وبراهما، وزاردشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس الأول.

5- يوافقون اليهود والنصارى في القول بصلب المسيح.

6- يؤولون القرآن تأويلات باطنية؛ ليتوافق مع مذهبهم.

7- ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار.

8- يحرمون الحجاب على المرأة، ويحللون المتعة وشيوعية النساء والأموال.

9- يقولون: إن دين الباب ناسخ لشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم.

10- يؤولون القيامة بظهور البهاء، أما قبلتهم فهي إلى البهجة بعكا بفلسطين، بدلاً من المسجد الحرام.

11- والصلاة تؤدَّى في تسع ركعات ثلاث مرات، والوضوء بماء الورد، وإن لم يوجد فالبسملة بسم الله الأطهر الأطهر خمس مرات.

12- لا توجد صلاة الجماعة إلا في الصلاة على الميت وهي ست تكبيرات يقول كل تكبيرة: (الله أبهى).

13- الصيام عندهم في الشهر التاسع عشر شهر العلا، فيجب فيه الامتناع عن تناول الطعام من الشروق إلى الغروب مدة تسعة عشر يومًا (شهر بهائي)، ويكون آخرها عيد النيروز 21 آذار، وذلك من سن 11 إلى 42 فقط يعفى البهائيون من الصيام.

14- تحريم الجهاد، وحمل السلاح، وإشهاره ضد الأعداء خدمة للمصالح الاستعمارية.

15- ينكرون أنَّ محمدًا خاتم النبيين، مدعين استمرار الوحي، وقد وضعوا كتباً معارضة للقرآن الكريم مليئة بالأخطاء اللغوية والركاكة في الأسلوب.

16- يبطلون الحج إلى مكة وحجهم حيث دفن بهاء الله في البهجة بعكا بفلسطين.

الكُتُب المُقَدَّسة عند البهائية:
لقد نسب البهائيون إلى ربهم البهاء حسين علي كتبًا مقدسة يؤمنون بأنها وحي الله، ومنها: كتاب الأقدس، وكتاب الإيقان، وكتاب مجموعة الألواح المباركة وقد طبعته مطبعة السعادة بمصر سنة 1920م بأمر من عبد البهاء خليفة البهاء، وإشراقات وتجليات، وطرازات كلمات فردوسية، وننوه هنا أن كتاب الإيقان وقع عليه خلاف بين البهاء وأخوه يحيى، كلٌّ يدعيه لنفسه، وحصل نفس الخلاف بين أتباعهما.

ولقد قام البهاء بإنشاء الرسائل والكتب وإرسالها للحكام والملوك، وفيها يتحدث عن حلول الإله فيه، وعلمه للغيب، ومعرفته بما سيحدث في المستقبل، ومن ذلك قوله: إن حكومة نابليون الثالث ستسقط، وبالفعل سقطت بعد أربع سنوات، وكان هذا سببًا في تصديق الكثيرين له، مع أنه لم يعين زمن السقوط، ومن المعلوم أن كل حكومة مصيرها السقوط بموت رئيسها أو بثورة تنهيها[39].

العبادات عند البهائية:
• الصوم: يصوم البهائيون الشهر التاسع عشر - السنة عندهم تسعة عشر شهرًا - وعدد أيامه تسعة عشر يومًا، آخرها عيد النيروز الفارسي الأصل وهو يوم 21 مارس (آذار)"، ويعفى من الصيام من كان دون البلوغ، والمريض، والطاعن في السن، والمرأة الحامل والحائض والنفساء، ولا قضاء على هؤلاء جميعًا.

• الصلاة: يصلونها فرادى، وعدد ركعاتها تسع، وأوقاتها ثلاثة: حين الزوال، وفي البكـور، وفي الآصال، وقبلتهم مدينة عكا حيث يرقد الهالك بهاء الله، وصـلاة الميت تصلى جماعة، ولصلواتهم أدعية وترانيم خاصة، ويُعفى منها من يُعفى من الصوم، ويسبق الصلاة الوضوء، ومَنْ فقد الماء، فما عليه إلا أن يقول: بسم الله الأطهر خمس مرات ثم شرع في الصلاة.

• الحج: ليس للحج وقت معين، والحجاج يتوجهون إلى الدار التي ولد بها مؤسس الديانة البابية الميرزا علي محمد بمدينة شيراز، أو إلى الدار التي نزل بها "بهاء الله" حسين علي[40].

الانتشار ومواقع النفوذ:
تقطن الغالبية العظمى من البهائيين في إيران، وقليل منهم في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة؛ حيث مقرهم الرئيسي وكذلك لهم وجود في مصر حيث أغلقت محافلهم بقرار جمهوري رقم 263 لسنة 1960 م، وكما أن لهم عدة محافل مركزية في إفريقيا بأديس أبابا وفي الحبشة وكمبالا بأوغندا ولوساكا بزامبيا التي عقد بها مؤتمرهم السنوي في الفترة من 23 مايو حتى 13 يونيو 1989 م، وجوهانسبرج بجنوب إفريقيا وكذلك المحفل الملي بكراتشي بباكستان، ولهم أيضًا حُضُورٌ في الدول الغربية فلهم في لندن وفينا وفرانكفورت محافل وكذلك بسيدني في استراليا ويوجد في شيكاغو بالولايات المتحدة أكبر معبد لهم، وهو ما يطلق عليه مشرق الأذكار، ومنه تصدر مجلة نجم الغرب، وكذلك في ويلمنت النويز (المركز الأمريكي للعقيدة البهائية)، وفي نيويورك لهم قافلة الشرق والغرب، وهي حركة شبابية قامت على المبادئ البهائية، ولهم كتاب: دليل القافلة، وأصدقاء العلم، ولهم تجمعات كبيرة في هيوستن ولوس أنجلوس وبيركلين بنيويورك؛ حيث يقدر عدد البهائيين بالولايات المتحدة حوالي مليوني بهائي ينتسبون إلى 600 جمعية، ومن العجيب أن لهذه الطائفة ممثل في الأمم المتحدة في نيويورك فيكتور دي أرخو، ولهم ممثل في مقرِّ الأمم المتحدة بجنيف ونيروبي وممثل خاصٌّ لإفريقيا وكذلك عضو استشاري في المجلس الاجتماعي والاقتصادي للأمم المتحدة أيكوسكو Ecosco وكذلك في برنامج البيئة للأمم المتحدة Unep وفي اليونيسيف Unicef وكذلك بمكتب الأُمم المتَّحدة للمعلومات U. N. office of public information، ودزي بوس ممثِّل الجماعات البهائيَّة الدولية لحُقُوق الإنسان في الأمم المتَّحدة ورستم خيروف الذي ينتمي إلى المؤسَّسة الدوليَّة لبقاء الإنسانيَّة[41].

بعد هذا العرض اليسير عن البهائية نعرض دور الاستعمار البريطاني في الحركة البهائية.

دور الاستعمار البريطاني في الحركة البهائية[42]:
لقد حضنتْ بريطانيا الحركة البهائية ورعتْها حق الرعاية، وقدَّمتْ للبهاء وخليفته عبد البهاء عباس ولأتباعهم كل ما يساعدهم على الاستمرار في دعوتهم الكُفريَّة، ويمكن بيان دور بريطانيا من خلال ما يأتي:
لمَّا صدر أمر نفي البهاء وأتباعه من إيران، عرضت الحكومة البريطانية عليهم الاستضافة ومنح الجنسية البريطانية.

اعترف الداعية البهائي "أسلمنت" بالعلاقات الحميمة بين الإنجليز والبهائيين، فقال: "لقد شعر البهائيون بالابتهاج والسرور حين سقطت حيفا مسقط دعوتهم في فلسطين بيد الاستعمار البريطاني في سبتمبر عام 1918م، كما بادلهم الإنجليز نفس الشعور، واهتم الإنجليز بعبد البهاء ونبي البهائيين عباس أفندي ابن الميراز حسين، ولقد كان عدد من الجند وكبار قادة الجيش الإنجليزي يترَدَّدون على زيارته، وقام الحاكم الإنجليزي بمنحه وسام الفرسان البريطانيين؛ تقديرًا لجهوده التي بذلها في مساعدة الإنجليز في الاستيلاء على فلسطين، وعلى دوره في إسقاط الخلافة العثمانية.

عندما قررت الحكومة العثمانية الانسحاب من حيفا سنة 1917م، أرادت أن تقوم بقتل عبد البهاء وعائلته للتخلص من شره وفتنته، وكان جمال باشا هو صاحب هذه الفكرة ولكن وزارة الخارجية البريطانية ممثلة في شخص اللورد بلفور طلبت من الجنرال اللنبي المحافظة على البهائيين وحمايتهم، وبالفعل قام بذلك، وأبرق لحكومته يخبرها بسلامة الذات المباركة على العالم.

ثالثاً: دور اليهودية في الحركة البهائية[43]:
إن علاقة البهائية باليهودية واضحة بصورة جلية وعلانية، فالعلاقات بينهما وثيقة جدًّا، وقد عبَّر عن هذه العلاقة وذاك الارتباط المؤتمر البهائي العالمي الذي عقد في مدينة القدس المحتلة عام 1968م، حيث قيل في افتتاح المؤتمر: إنَّ الحركتَيْن اليهودية والبَهائية متممتان لبعضهما، وتجتمعان في أكثر النقاط، ويُمكننا ذكر بعض هذه النقاط بعد بيان دور اليهود في الترويج للأفكار البابية والبهائية.

أثبتت بعض المصادر أن يهود إيران دخلوا في البابية، بناءً على مشورة الماسونية اليهودية، ففي طهران دخل مائة وخمسون يهوديًّا، وفي همدان مائة يهودي، وفي كاشان خسمون يهودياً، وفي كلباكيان خمس وثمانون يهوديًّا، ومن هؤلاء الحبران اليهوديان: إلياهو ولازار. ومن المعلوم أن اليهود يتسللون إلى الأديان والنحل غير اليهودية بهدف استِغلالها لتحقيق أهدافهم، وتوجيهها حسب مصالحهم الخاصة.

لقد قام اليهود بالدعاية والترويج للبهائية من خلال وسائل الإعلام العالمية التي يسيطرون عليها، ومن خلال السفارات الإسرائيلية في البلدان الإفريقية وغيرها، ومن خلال المستشرقين اليهود أمثال جولدتسيهر الذي مجَّد هذه الحركة عندما كانت في إيران.

أنه لما سجنت الحكومة التركية البهاء الميزار حسين وأتباعه في عكا بفلسطين قبل وقوعها تحت الانتداب البريطاني سنة 1920م، قام اليهود بإغداق الأموال عليه، يقول الميرزا حسين: إنَّ سجْنَه قد انقلب بهم إلى جنَّة عدن، فخصصت له سيارة، وحديقة، وقصور فخمة، وسهلت له التنقُّلات بين عكا وحيفا، وأصبحت له مكانة ومنزلة، وعطلوا بذلك أوامر الباب العالي التركي التي تتضمن سجنه ومنع الناس من الاتصال به.

قام مجموعة من أحبار وحاخامات اليهود بتأويل نصوص كتابهم المقدس لصالح الحركة البهائية، وقد اعترف بذلك المستشرق اليهودي جولدتسيهر إذ قال: إن بعض اليهود المتحمسين للبهائية استخلصوا من دفائن العهد القديم وتنبؤات أسفاره ما ينبئ بظهور بهاء الله وعباس، ونسبوا جُزءًا كبيرًا من الإشارات والتلميحات التي في الأسفار اليهودية إلى جبل الكرمل الذي تجلى على مقربة منه نور الله وأضاء على الكون كله، وذلك في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي - زمن ظهور البهاء -، واعترف الميرزا أحمد سهراب بعمل هؤلاء الأحبار اليهود في إظهار نبوة عباس أفندي.

لقد أحاط اليهود عبد البهاء حسين بالاهتمام والاحتفاء عندما ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك كان يدخل مجامعهم ومعابدهم الخاصة، وفي المجمع اليهودي المنعقد سنة 1912م في سان فرانسيسكو قدّم الحاخام ميارفي عبد البهاء للحاضرين بقوله: من حسن حظنا - وهو لا شك حظ سعيد - أن نرحب هذا الصباح بعبد البهاء المعلم العظيم في عصرنا هذا، ثم قام عبد البهاء عباس بإلقاء خطاب مجّد وعظّم فيه اليهود.

لما هلك عبد البهاء حسين خلفه في الزعامة للبهائية ابن ابنته المدعو شوقي أفندي، ولما هلك هذا الرجل الذي لم يعقب ولدًا، أسس البهائيون بتوجيه اليهود ما عرف بـ"بيت العدل" في مدينة حيفا وذلك سنة 1963م، وقد انتخب الصهيوني الأمريكي "ميسون" ليكون رئيسًا روحيًّا لجميع أفراد الطائفة البهائية في العالم.

قد ثبت أن المحافل البهائية في العالم الإسلامي أوكار تستخدمها اليهودية للتجسس لصالح إسرائيل، ومن ذلك المحفل البهائي في مصر، حيث صدر قرار سنة 1960م بحله لثبوت تجسس أعضائه الذين ضبطت بحوزتهم أوراق ووسائل تثبت ذلك.

وأما النقاط التي تشترك فيها كل من البهائية واليهودية كما جاء في افتتاح المؤتمر البهائي العالمي المنعقد في القدس عام 1968م فهي كثيرة من أهمها[44]:
الهدَف المشترك في القضاء على الأديان، وإثارة الفتن والشكوك بين المسلمين، وهناك تشابه تام إلى حدٍّ كبير بين ما جاء في برتوكولات حكماء صِهْيَوْن، وما تخطط له الماسونية اليهودية وبين التعاليم البهائية التي تتحدث عن المساواة التامة بين الأديان، وما يُعرف بنظرية جمع الأديان في دين واحد للبشرية كلها، يقول البهاء حسين في لوحة الملكة فكتوريا: "وما جعله الله الدرياق الأعظم والسبب الأتم لصحته هو اتحاد من على الأرض على أمر واحد وشريعة واحدة"، ويقول الداعية البهائي أسلمنت: "أن يتحد جميع العالم على دين واحد، ويصبح جميع الناس إخوانًا وتتوثق عرى المحبة والاتحاد بينهم وتزول الاختلافات الدينية وتمحى الاختلافات بين جميع البشر".

إن عبد البهاء وأتباعه كانوا من الداعين إلى إقامة وطن لليهود في فلسطين باعتبار أنهم أصحاب الحق الديني والحق التاريخي فيها، وقد طالبوا يهود العالم بأن يهاجروا إلى أرضهم المقدسة، ولمّا صدر وعد بلفور المشؤوم في نوفمبر سنة 1917م فرح وسرّ به عبد البهاء، وعبّر عن فرحته وسروره بأن أعلن: أن اليهود سيجتمعون في الأرض المقدسة من كل مكان، وستتحقق هذه البشائر لليهود في عصر الجمال المبارك - يقصد البهاء المازندراني، وأن فلسطين كلها ستكون وطنًا لليهود، وختم إعلانه هذا بدعاء الله تعالى أن يؤيد الملك جورج الخامس ملك بريطانيا صاحب المكارم والأفضال على اليهود.

وبعد؛ وإن كان الموضوع يحتاج إلى تفصيلات أكثر من ذلك، ولكن فيما قدمتُ - وهو نبذة صغيرة - الكفاية، ومن أراد التوسع فعليه الرجوع إلى المصادر التي أحلت عليها في الفصل السابق، والله الموفق.

الفصل الثالث

الغزو الفكري في المجال التربوي والتعليمي

بعد أنْ مَنَّ الله عليَّ، وأنهيتُ الفصل الثاني على عجلةٍ مِن أمري، والذي تحدثتُ فيه عن أهداف الغزو الفكري ووسائله، وبينت فيه وسائل الغزو الفكري، أبدأ في الفصل الثالث، وهو:
الغزو الفكري في المجال التربوي والتعليمي:
وأناقش تحته مبحثين أتحدث فيهما عن دولتين عربيتين هما: مصر والمغرب.
المبحث الأول: الغزو الفكري في مجال التعليم بمصر:
أولاً: نبذة عن مناهج التعليم في مصر قبل الحملة الفرنسية:
كان التعليم في مصر منذ الفتح الإسلامي لا يعرف إلا التعليم الإسلامي، حتى أوان الحملة الفرنسية ومداهمتها مصر، وتغييرها مجرى الحياة المصرية وخاصة البينة التعليمية، فكان التعليم قوتها - أي: قبل الحملة الفرنسية - يعتمد على الكتاتيب القرآنية، والتعليم في المساجد.

وكان المسجد في هذا الوقت هو المؤسَّسة التعليمية الأولى؛ كمسجد عمرو بن العاص، فكان منارة يقوم فيها المسلمون بنشر تعاليم الإسلام، ومقاومة الفكر الروماني المسيطر على أهل مصرَ في هذه الآونة، ولم يكن أهل الإسلام عند الفتح منبهرين بحضارة الرومان بالقدر المؤثر عليهم، الذي يجعلهم يسيرون في ذيل مثل هؤلاء؛ إذ القوة الحقيقية تكمن في العقيدة السامية لا في السير في ركب حضارة الكفر.

كان مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه الرمز الأول في مصر لرسالة الإسلام السامية، والتي بها نشرت الإسلام والعلم، ثم أصبح مركز إشعاع الحركات العلمية والأدبية في مصر بصفة رسمية، فكان المسجد يقوم بمهمته الجامعية في دراسة الفقه بطريقة منظمة في زوايا خاصة في المسجد على اختلاف المذاهب، ولكل زاوية شيخ يجري عليه الرزق، وكان يدرس لطلبة العلم علم الفقه[45].

هذا الوضع إبان الفتح الإسلامي، ثم لما أنشأ الفاطميون الأزهر لخدمة فكرهم الجديد ومعتقدهم الشيعي، رسخوا حكمهم من خلال المسجد، لذا نجدهم استغلوا المسجدين؛ مسجد عمرو بن العاص ومسجد الأزهر في تدريس الفقه الشيعي، ومن ذاك أن النعمان القيرواني قرأ مختصر فقه آل البيت (فقه الشيعة)، وهو المسمى بكتاب "الاختصار" في جمع حافل من العلماء، فكانت هذه أول حلقة أقيمت في المسجد الأزهر، والحادثة الثانية عندما قرأ وزير المعز لدين الله وقرأ على الناس كتابا ألفه في الفقه الشيعي على مذهب الإسماعيلية، وهو المعروف بالرسالة الوزيرية، ويعد هذا المجلس من أولى المجالس الجامعية التي شهدتها هذه الفترة[46].

وظل الأزهر على ذلك فترة حتى في وجود العصر الفاطمي، وكان نظام التعليم في الأزهر بعده يقوم على:
هناك أستاذ للمادة يشرف على مجموعة من الطلاب، وكانوا يحرصون على ملازمة أستاذهم حتى الممات، وكل همهم أن يصلوا إلى رتبته العلمية.

كان الطلاب يحصلون على إجازات علمية في مادتهم التي يدرسونها.

كان الطلاب بعدما يحصلون على الإجازات يقومون بالتدريس بدلا من الشيخ أو معه.

كان الطلاب يقرؤون والشيخ يقوم بالشرح، ومثال هذا: ما فعله البدر العيني صاحب عمدة القاري عندما سمع صحيح البخاري على أستاذه العراقي بقراءة الشهاب الأشموني، وغيره وغيره..

هذا هو المنهجُ العلمي السائد في تلك الفترة، فكانت الجماهير تتحاكم إلى شريعة الله تعالى، حتى أثناء الحكم الفاطمي في مصر، لم يكن بالحصار الفكري الحاصل الآن من القوة الصليبية.

بانتهاء العَصْر الفاطمي في مصر تدخل مرحلة علمية جديدة؛ فتغيَّرت بعد ذلك الأنظمة الحاكمة وحلت الدولة الأيوبية محل الدولة الفاطمية، فأزال الأيوبيون من مصر جميع ما يتعلق بالتعليم الشيعي، فأزالوا الفقه الشيعي وأحلوا الفقه السني فدرس الأيوبيون المذاهب الأربعة، فأنشأ صلاح الدين المدرسة الناصرية لتدريس الفقه الشافعي، والمدرسة القمحية لتدريس الفقه المالكي، والمدرسة الصلاحية وغيرها من المدارس التي تقوم على الأوقاف لتدريس المذاهب السنية والقضاء على المذاهب الشيعية[47].

ثم حذا العلماء حذو صلاح الدين في بناء المدارس، حتى بلغ عدد المدارس 26 مدرسة، أشهرها المدرسة الكاملية التي بناها الملك الكامل.

ثم كثرت المدارس بعد ذلك ولكن ظل المسجد الأزهر هو المنارة العلمية الأولى، والجامعة الأم التي ينبثق منها العلم، ويوزع على هذه المدارس.

ثم جاء عصر المماليك بعد ذهاب الدولة الأيوبية، ولم يتغير التعليم عما كان عليه أيام الأيوبيين؛ إذ كانت دولة سنية فظل الأمر كما كان عليه، ولم يعملوا على إزالة معالم الدولة الأيوبية بل جددوا وطوروا ما كان عليه الأمر في عصر الأيوبيين؛ لذا يعد عصر المماليك عصر الذروة كما يقال؛ ففيه بلغت الدولة الإسلامية أزهى عصور التقدم، وحفلت مصر في تلك الحقبة الطويلة بجمهرة كبيرة من العلماء والكتاب؛ من أمثال: ابن حجر العسقلاني، والقلقشندي صاحب صبح الأعشى، والمقريزي، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم مما أسهم في ازدهار الحياة العلمية[48].

ثم تتوالى الأيام إلى أواخر عصر دولة المماليك، وهو آخر عهد الازدهار الفكري، إذ ازدهر علم العقيدة في هذه الأثناء خير ازدهار، ولكن المشكلة الكبيرة أن عصر المماليك كان مملوءا بالظلم إذ غالى المماليك في ابتزاز الناس، وصار أهل البلاد في فقر مدقع، حتى اضمحل عصرهم، وذهب جماله ورنقه[49].

وصف الجبرتي في تاريخه الاضمحلال الشديد الذي تعرضت له دولة المماليك، فذكر أن الشعب قد عاني من انتشار الأمراء في الأقاليم المختلفة، وابتزاز الأموال، حتى هلك الفلاحون وضاق ذرعهم واشتد كربهم، وطفشوا من البلاد... وفسدت النيات، وكثر الحسد والحقد في قلوب الناس، وفقد الأمن..." [50].

كان انتهاء عصر المماليك واضمحلاله عصر انحطاط في الجانب الإسلامي، قابله في الغرب عصر ازدهار، ولولا الحماية الربانية التي نجونا بها من شر الصليبين لهلك الإسلام والمسلمون!

أما إذا أتينا إلى العصر العثماني فإننا نجد أن العثمانيين كانوا يظنون أن مصر هي المربد العلمي المزود للجيش الفاتح، ولكنه فوجئ بانحطاط التعليم في الأزهر، والتي أضحت العلوم فيه مقتصرة على علوم الوسائل دون المقاصد، لذا حاول العثمانيون تطوير التعليم، لذا نجد أن الأزهر قد أفل دوره قليلاً في عهد العثمانيين، ولكنهم لم يهملوه الإهمال الكبير، بل أصبح الاهتمام منصبا على العلوم الإسلامية واللغة العربية، والفضل بالطبع في ذلك راجع إلى الأزهر الشريف[51].

أما نظام التعليم في هذا العصر فكان كالتالي، كان الطلاب يحفظون القرآن الكريم، القراءة والكتابة، وتعلم قواعد النحو، وحفظ المتون العلمية، ويذكر الجبرتي في هذا بعض الكتب التي كانت تُدَرَّس في ذلك العصر من مثل: الأشموني، وابن عقيل، والشيخ خالد وشروحه، والأزهرية، وشذور الذهب، وكتب التوحيد مثل الجوهرة، وكتب المنطق والاستعارات والمعاني والبيان، وكتب التفسير المتعددة[52].

وكان الاهتمام في هذا الوقت منصبا على الشروحات والمتون، فخرجت لنا كتب كثيرة لشروحات المتون، ثم شرح الشرح، ثم شرح شرح الشرح، وكانت النتيجة أن تطرق الإبهام إلى المعاني الأصلية، واضطربت المباحث، واختلفت التراكيب وتعقدت العبارات، واختفى مراد المصنف[53]. كانت هذه مقدمة سريعة لتطور التعليم في مصر أيام الخلافة الإسلامية.

أما إذا أتينا لمناهج التعليم في مصر أيام الاحتلال الفرنسي، فإننا نجدها قد اضمحلت بشدة وذلك عندما بدأت العقيدة تهتز في النفوس، وفي ظل الهزائم المتعددة من الفرنسيين والتي أدت في النهاية في الاحتلال، اهتز المسلمون اهتزازا شديدا لما رأوا من قوة السلاح، وتفوق الغرب على المسلمين، لذا نظر المسلمون إلى هؤلاء على أنهم القوة والحضارة، فانبهر بهم قوم وأقبلوا على كل ما هو غربي، ظنا منهم أنَّ هذا هو الحق!!

استغل الفرنسيون مثل هذا الانبهار، وحرصوا على إخفاء العنصر الصليبي إخفاء كاملا من الحملة الفرنسية، وأشاعوا أن الدين إنما كان ستارا للمطامع الاقتصادية، وتلوك هذا الزعم أفواه مسلمة يدور أصحابها في طاحونة الاستِعمار.

كذلك حرص الاستعمار على القول بأن الحملة الفرنسية كانت هي الخير والبركة، لأنها أيقظت المسلمين من سباتهم، وأطلعوهم على العلوم الحديثة، والنهضة العلمية الكبيرة، وسار الفرنسيون يبثون في مصر أن المسلمين لا يعرفون من العلوم الدنيوية شيئا، سواء الرياضة أو الكيمياء، حتى إن الشيخ الإنبابي شيخ الأزهر في هذا الوقت سئل: هل يجوز تعليم المسلمين العلوم الرياضية كالحساب والهندسة والهيئة والطبيعيات؟

فأجاب: "يجوز ذلك مع بيان النفع من تعلمها"، وكأن مثل هذه العلوم لم يكن للمسلمين عهد بها! [54].

لقد كانت الجماهير الإسلامية في مصر في سباتها العميق، في نفس الوقت الذي كان فيه الغرب لم يكن أصيبَ بالحروب الصليبية التترية المغولية التي أُصيب بها المسلمون، فبدأت أوروبا منذ الحروب الصليبية تنشق لها حضارة جديدة، مؤسسة على العلم والحرية، متقدمة في الصناعة والتجارة، يتدفق عليها المال من كل مكان، تنشق الأساطيل الضخمة، التي هجمت على الشرق من كل حدب وصوب، ينهبون خيراته[55].

إنَّ الهدَف الأسمى الذي سعى إليه الفرنسيون ليس الغزو العسكري فقط بل الفكري أيضا، لذا أسس الفرنسيون المجمع العلمي وضرب به الأزهر للقضاء عليه، وعزل الشريعة عن المدارس الجديدة، وببناء المجمع العلمي، كان أول غزو فكري منظم لضرب مناهج التعليم المصرية، حتى إن هناك من العلماء الأزهريين من وصف التعليم الأزهري بالجهل والتخلف، مما أثر على مسار الحياة التعليمية بعد ذلك، وإن كان الفرنسيون خرجوا عسكريا إلا أنهم لم يخرجوا فكريًّا، وتركوا وراءهم إرثا كبيرا واضح المعالم، ظهر إبان تولي محمد علي ولاية مصر[56].

تحويل التعليم الأزهري إلى مدني:
إن اختيار أمثال محمد علي باشا كان مدروسا بحيث إنه لا يمكن أن يتولى رجل قيادة بلد ظلوا عشرات السنين ينخرون فيه ليضيع لهم ما صنعوا!

كان محمد علي خدعة كبيرة على المسلمين كما كان مصطفى كمال أتاتورك بعده! فما كاد يصل إلى الحكم حتى نصب نفسه حاكما مستبدا، وبدأ في التخطيط لتعليم جديد بعيد عن روح الأزهر، فبدأ ينفذ أحلامه ورسم لنفسه الخطط لاكتساب أكبر قدر من البلاد لتكون تحت يده، كذا رسم للخروج من تحت عباءة الخلافة الإسلامية.

بدأ سير التعليم يأخذ منحى غربيا مخالفا لكل القيم الأصولية الإسلامية وليس الأمر كذلك فحسب بل إنه عزل التعليم الديني بالكلية عن الحياة، وجرده من كل مقومات الحياة، حتى إنه ألغى الأوقاف الإسلامية على مدارس الأزهر، وكان لذلك أثره الكبير في قطع مواد الأزهر، والتضييق على الأساتذة[57].

كان التعليم الذي أنشأه محمد علي في مصر تعليمًا أساسه الجيش، فالمدارس الحربية لتخريجه، ومدرسة الطب لتطبيبه، والهندسة لتصميماته، والمدارس الصناعية لإمداداته، والبعثات لسد حاجاته، حتى البعثات العلمية الأوروبية التي أرسلها كانت بإدارة عسكرية، وقد عمم هذا التعليم على كل من مصر والإسكندرية فقط، أما في باقي المحافظات فلم يهتم بالتعليم فيها أصلاً.

أما الأزهر والمساجد والتعليم الديني فقد أبقاه بدون أوقاف، مما أدى إلى قلة الراغبين فيه، حتى إنه بعد قليل من السنوات انفصل التعليم الديني تمامًا، وأصبح خاليا من العناصر الدنيوية، وقطع عنه كل الموارد، وكأنه منعزل عن مصر تمامًا[58].

بدأ هاهنا الفكر الغربي يعرف طريقه إلى مناهج التعليم المدنية التي يشرف عليها الفرنسيون، فتأثر التعليم في مصر جدا بهم حتى في لوائح التعليم، حتى ديوان المدارس والخطط المدرسية كل ذلك كان مترجما من اللغة الفرنسية إلى العربية بدقة كبيرة، وكانت اللجان التعليمية مكونة من الفرنسيين ومن المصريين الذين تعلموا في فرنسا، بل إن هيئات التدريس كانت فرنسية قُحة[59].

لم يكن محمد علي يعمل من تلقاء نفسه بل إنه كان محاطا بخبراء فرنسيين يساعدونه على تسيير الأمور في البلاد، ويخضعون في مناهج التعليم لأهدافهم الصليبية الاستعمارية في القضاء على الوازع العقدي في نفوس المسلمين وإسلامهم بعد ذلك لرواد الغزو الفكري الذين يعملون بهم ما يشاؤون[60].

استعان محمد علي كذلك بالإيطاليين في أول الأمر لأن الجماهير كانت كارهة للفرنسيين من بعد ما عملوه أيام الاحتلال الفرنسي لمصر، وقد كان ذلك منه سياسة مرحلية سرعان ما تراجع عنها إلى فرنسا التي تسير أموره وأمور جيوشه الموجهة لقمع الحركة الإسلامية في وسط الجزيرة العربية.

مضى محمد علي يدخل التقنية الحديثة الأوروبية على المدارس المصرية بعيدا عن التعليم الديني الأزهري، لذا قام بترجمة الكتب الفرنسية إلى العربية، وحذف المترجمون كل ما يمس العقيدة الإسلامية إذ جردوها من كل روح، وعملوا على إبعاد الطلاب عن كل ما له بالدين، والشرع، والعقيدة، وبلا شك أضر ذلك بمصر أشد الضرر وبالأمة الإسلامية جمعاء.

يأتي الطريق الثاني لطريق علمنة التعليم في عهد محمد عليّ حيث وجه البعثات إلى أوربا وكان العامل الأساسي في ذلك إبعاد الطلاب عن الحضارة الإسلامية العربية، وجذب الحضارة الفرنسية الأوربية إلى مصر، من خلال إبهار المبعوثين بذلك.

وبالطبع محمد علي لم يكن بالغباء الذي به يترك الأوروبيون يفعلون ما يشاؤون في التعليم، إذ إن التعليم لا يهمه أصلا، ولكن الأهم هو تكوين إمبراطورية كبيرة، يكون هو القائد الأعلى لها، وإذا ما نظرنا إلى المدارس التي أنشأها محمد علي يتضح لنا أنه كان يبعد التعليم الديني عن أي دور في الحياة، منها:
1- مدرسة الهندسة بالقلعة: لإعداد تلاميذ لمدارس المدفعية، والهندسة الحربية والبحرية، وإعداد الموظفين للمصالح التي تتطلب العلم بالرياضة والطبيعة.

وهي التي تسمى بالمهندس خانة.

بالطبع لم يمكن لطلبة الأزهر الإكمال في التعليم الديني، وترك مثل هذا الازدهار والعلوم الدنيوية التي لم يعرفها المسلمون من قبل، لذا ترك كثيرٌ من أبناء المسلمين التعليم الأزهري الديني واتجهوا إلى التعليم المدني[61].

2- مدرسة المعادن بمصر القديمة.

3- مدرسة المحاسبة بالسيدة زينب.

4- مدرسة الفنون والصنائع.

5- مدرسة الصيدلة.

6- مدرسة الزراعة.

7- مدرسة الطب البيطري.

ومن أكبر عيوب هذا التعليم أنه كان يفتقر إلى الكتاب المدرسي وإلى منهجية شاملة لخدمة الأمة كلها لا لقطاع الجيش فقط، كما كان يفتقر إلى قاعدة يتدرج فيها المتعلم إلى أن يصل إلى المراحل التي أسسها حيث كون تعليمًا جامعيا دون تهيئة للمدارس للوصول إليه، فإنما هو التقليد فحسب.

اكتشف محمد علي العجز التام في المناهج التي يمتلكها، والعجز الطلابي في تجاوب الطلاب معها، لذا أرسل إلى فرنسا لاستيراد المناهج العلمية كاملة وترجمها، وبذا تمت عملية الغزو الفكري بكل حلقاتها[62].

إن الناظر في واقعنا الآن يرى أثرًا كبيرًا على تعليمنا، حيث انتشرت علمنة التعليم في أرجاء مصر، فتجد المناهج الحديثة مادية بحتة، تروج إن لم نقل للفحش، فسنقول للخروج عن كل ما هو ديني، فبإلقاء نظرة عجلى على منهج اللغة العربية والتربية الإسلامية المصرية فسنجدها لا تخرج عن الآتي:
1- الأخوة بين المسلم والنصراني، وأنهم يد واحدة.

2- إهمال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

3- إنكار الختان وأنها عادة قبيحة.

4- تصوير المسلمين المجاهدين بأنهم إرهابيون منحرفون يدمرون المجتمعات.

5- انغلاق تام نحو كل ما هو جديد.

6- رمي كل ملتزم بالتخلف والجمود.

7- اختيار موضوعات غير مناسبة للمرحلة العمرية للطلاب.

8- إهمال العبادات الإسلامية وتصويرها على أنها كماليات.

9- ترسيخ مفهوم العلمانية عن طريق تصوير أن العبادة داخل المسجد وفقط.

10- وجود أخطاء نحوية وعروضية في المناهج الدراسية.

تلك عشرة كاملة أختم بها هذا المبحث، وكم كنت أتمنى أن أسهب في هذا المبحث ولكن حقًّا ما الصدر كبير وأخشى أن أطيل أكثر من ذلك، ولعل الله ييسر وقتًا لكتابته أكثر من ذلك والله الموفق،،،

المبحث الثاني: الغزو الفكري في مجال التعليم بالمغرب:
إن الحديث عن دولة عربية كالمغرب كان يستلزم وصف حال المغرب منذ نشأتها، متضمنًا هذا وصفها شرقًا وغربًا، وحدودها قديمًا وحديثًا... إلخ، ولكني أرى أن في ذلك خروجًا عن المقصد الرئيس، ومحله كتب الجغرافيا والتاريخ.

وبما أنَّ مقصد البحث المجال التربوي والتعليم، كان لزامًا أن أترك ما أشرت إليه سابقًا للكتب المختصة لأدخل مباشرة في المقصد الذي من أجله سقت هذه المادة.

وأبدأ بحول الله مستعينةً بـ:
مناهج التعليم في المغرب قبل وأثناء وبعد الاحتِلال الفرنسي:
لم تكن المغرب كمصر لا قبل الاحتلال ولا بعده، إذ لم تكن جامعة القرويين والمدارس التابعة لها في القرون الماضية وخاصة القرن 19 بالقوة التي تؤهلها للقيام بنهضة ثقافية تواجه بها الاحتلال الفرنسي، إذ كان نظام التعليم طبقيًّا، وأضحى التعليم في الجامعة مِن أصعب ما يكون، ذلك بسبب الشُّروط التي التي تصعب الالتحاق بها، وأصبح التعليم حقًّا لكل أصحاب الطبقة الميسورة، أما ما عداها من أصحاب الطبقات الفقيرة فليس له إلا الكتاتيب، ثم التخرج منها، ولا يحق له الدخول، إلا إنْ مَنَّ الله عليه بواسطة تدخله الجامعة بعد دفع مبالغ طائلة!![63] وبهذا فقد فقدت الجامعة في هذا الوقت كثيرًا من الطلاب، ليس في المغرب فقط، بل خسرتْ كثيرًا من الطلاب من شتى الدول العربية.

أما بالنسبة للمواد الدراسية التي كانت تُدَرَّس في الجامعة آنذاك، فكان يدرس كتب ابن سيد الناس، وكتب رجال التصوف، كتب التفسير من أمثال الرازي، والبيضاوي، والزمخشري، والسيوطي...

وكانتْ هناك كُتُبٌ مشهورةٌ اعتمدها أساتذة جامعة القرويين في هذا الوقت، مثل:
صحيح البخاري، نوادر الأصول للترمذي، تنبيه الغافلين للسمرقندي، تفسير الثعلبي، حلية الأولياء، إحياء علوم الدين، كتاب الشفا للقاضي عياض، عمدة الأحكام، كتب السيوطي، كتب الشعراني الصوفي....

ولكن قلة الداخلين أدى إلى بعض ركون أشار إليه ابن خلدون في تاريخه قائلاً: "اعلم أنَّ سند تعليم العلم لهذا العهد قد كاد ينقطع عن أهل المغرب؛ باختلال عمرانه، وتناقص الدّول فيه، وما يحدث عن ذلك من نقص الصَّنائع وفقدانها... وذلك أنّ القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس واستبحر عمرانهما وكان فيهما للعلوم والصَّنائع أسواق نافقة وبحور زاخرة، ورسخ فيهما التّعليم لامتداد عصورهما، وما كان فيهما من الحضارة، فلمّا خربتا انقطع التَّعليم من المغرب إلّا قليلا كان في دولة الموحّدين بمراكش مستفادًا منها.

ولم ترسخ الحضارة بمراكش لبداوة الدّولة الموحدية في أولها وقرب عهد انقراضها بمبدئها فلم تتصل أحوال الحضارة فيها إلا في الأقل، وبعد انقراض الدولة بمراكش ارتحل إلى المشرق من إفريقية القاضي أبو القاسم بن زيتون لعهد أواسط المائة السابعة فأدرك تلميذ الإمام ابن الخطيب فأخذ عنهم ولقّن تعليمهم... إلخ[64]، ثم يقول: "وبقيت فاس وسائر أقطار المغرب خلوًا من حسن التّعليم من لدن انقراض تعليم قرطبة والقيروان ولم يتصل سند التعليم فيهم، فعسر عليهم حصول الملكة والحذق في العلوم، وأيسر طرق هذه الملكة فتق اللّسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلميّة، فهو الّذي يقرّب شأنها، ويحصّل مرامها، فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلميّة سكوتًا لا ينطقون ولا يفاوضون وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة، فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم، ثمَّ بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصل تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علم، وما أتاهم القصور إلا من قبل التّعليم وانقطاع سنده، وإلا فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدة عنايتهم به، وظنهم أنه المقصود من الملكة العلمية وليس كذلك، ومما يشهد بذلك في المغرب أن المدة المعينة لسكنى طلبة العلم بالمدارس عندهم ست عشرة سنة وهي بتونس خمس سنين... إلخ[65].

فالناظر في كلام ابن خلدون يلحظ ما أشرنا إليه، فقلة الداخلين في الجامعة أوْرَث ركودًا علميًّا، واعتماد الطلاب المغاربة على الحِفْظ أورث طلبة حفاظهم بعيدين عن الملكة العِلْميَّة وهذا مفاد من قوله: "فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدة عنايتهم به، وظنهم أنه المقصود من الملكة العلمية".

ولم يكن الأمر بالصورة السيئة الساقطة كما يظن البعض، ولكن كان هناك بعض ازدهار ولكنه كان مرتبطًا بازدهار الأندلس، ثم لما سقطت الأخيرة هاجر علماء الأندلس إلى جامعة القرويين واستقروا في فاس، ولكن كالعادة السابقة أصبح علم هؤلاء العلماء المهاجرين للأسف قليل الإقبال من الطلاب[66].

وعندما دخل الاستعمار الفرنسي، وشعر المغاربة ببداية قلة العلم وسط طلابه، أصبحتْ قلعة لمحاربة الاستعمار الفرنسي، دأبهم وقدوتهم في ذلك الأزهر الشريف - حفظه الله تعالى، وأعاده قلعة شامخة كما كان - فعمل الاستعمار على الضغط عليه من كل جانب فقام بقطع طرق المواصلات عن الجامعة، وعمل على كثرة السلب والنهب على الطرق المؤدية إليه، كذلك عمل القلاقل التي لا تتيح لساكني الجامعة من الطلاب الراحة، كذلك ألغوا الأوقاف فشاع الغلاء، ولم يتقدم إليه إلا ثلة ضعيفة من أبناء الميسورين.

وقد تحدث كثير من الباحثين عن التقدم العلميِّ في المغرب ولكن وجدتُ أن المقصود بذلك كثرة الطلاب الملتفين حول العلماء في الحلقات العلمية غير المنظمة، إذ كانت بدون قيادة علميَّة راسخة، فأقل ما يقال فيها: إنها كانت تفتقد إلى المنهجية، فكل من راق له كتاب من العلم قرأه مع طلابه، فتجد الكتاب معادًا مكررًا دون إفادة ومنهجية يسير عليها الطلاب... إلا أن ذلك لم يكن الأمر الأساس الذي أوصل الطلاب إلى الاضمحلال العلمي، بل إن الفرنسيين قاموا بالتدخل المباشر في العلوم التي تدرس على طلاب المغرب فتقلص عدد المتعلمين حتى وصل إلى 400 طالب مغربي في الجامعة عام 1894!!

ثم اتبع الفرنسيين سياسة بناء مدارس بعيدة عن التعليم الديني مدعمة لغير القادرين، فالتحق بها كثير من الطلاب الفقراء، ومنها: المدارس الفرنسية العربية لأبناء المسلمين، المدارس الفرنسية العربية لبنات المسلمين، المدارس الفرنسية البربرية، المدارس الفرنسية لأبناء الفرنسيين، المدارس الفرنسية لبنات الفرنسيين... إلى غير ذلك من المدارس الحديثة، وبذا لم يجد الاستعمار كبير عناءٍ في إشرافه على التعليم، فمحى اللغة العربية تمامًا، وجعل الفرنسية اللغة الأصلية للتعليم في مدارسه.

أما مدارس القرآن الكريم - والتي كان الإقبال عليها ضعيفًا بكل أسف - فهي الوحيدة اعتمدت اللغة العربية لغة لها، ولكن بعد تخرج الطلاب منها لا يجد إلا مدارس الفرنسيين فيعمل على استبدال ما تعلم بلغة حديثة - ألا وهي الفرنسية - فينسى ما تعلم من العربية، ويدخل العربية في الفرنسية، إلى أن يكون بلا هوية، فلا هو فرنسي، ولا هو عربي!

ومن المدارس التي أنشأها الفرنسيون في المغرب: - مدرسة روبيني بطنجة- مدرسة بيري بطنجة- مدرسة بترمان بالدار البيضاء[67].

لم ينسَ الفرنسيون العقيدة الإسلامية - وإن كان في ظني أنه قتلها بقتل العربية، ولكنها باقية في النفوس - فقام بعمل بلبلة وسط الطوائف الإسلامية بعضها ببعض، وغير الإسلامية مع الإسلامية، فقسم المحتل المغرب وطوائف المسلمين من حيث التعليم ثلاث طوائف:
1- طبقة النخبة.

2- جماهير المدن (الجاهلة المحرومة).

3- جماهير البادية (المنعزلة).

فجعل لكل طائفةٍ تعليمًا خاصًّا، ومدارس خاصًّة، تدرس ما يليق بها، وبهذه الطوائف استَطاع أن يحدثَ صراعًا بين المسلمين وبعضهم، ليحول المجتمع من موحد إلى مجتمع متصارع العقيدة، وبذا يسهل ضربها والسيطرة عليها، وهذا ما حدث في مصر والهند وتونس و... و.... كل الدول العربية.

لذا عندما سئل مسيو هاردي[68] عن التعليم في المغرب وكيفية الحفاظ عليه بما يخدم المصالح الفرنسية قال: "إن أكثر ما يجب أن نهتم به هو أن نحرص على ألا تصنع المدارس الأهلية رجالاً صالحين، ولا يصلحون لأي شيء، يجب أن يجد التلميذ بمجرد خروجه من المدارس عملا يناسب التكوين الذي تلقاه، حتى لا يكون من جهلة أولئك العارفين المزيفين، العاجزين عن عمل مفيد..!!"

فخطابه هذا أكبر دلالة على قواعد إفساد العلمية التعليمية المغربية، بحيث إذا طبق ذلك بدقة أدى إلى جيل خاوٍ من أي انتماء إسلامي، أو عربي، أو حتى مغربي، فالتعليم في المغرب بإشراف المحتل والذي استمر أكثر من 60 عامًا، لم يخدم سوى الفرنسيين وفقط، حتى بعدما خرج الفرنسيون بعد ثورة عارمة عمت الدول العربية جميعها، لم يخرج المحتل إلا بعدما أنشأ جيلاً يخدم مصالحه ولا يضاده.

وقد كان المرجو بعد خروج المحتل أن تكون هناك قيادات إسلامية، ومناهج تعليم إسلامية واعية، ولكن بكل أسف لم تكن تختلف المدارس عما كانت عليه أيام الاحتلال الفرنسي، إذ كانت اللغة العربية شبه ممنوعة في المدارس الحكومية المغربية، وكانت الفرنسية أمًّا للمناهج التعليمية، فكان يخصص 10 ساعات لدراسة المواد العربية، مقابل 20 ساعة للمواد الفرنسية، كذلك كانت الحصص العربية غير مهتمٍّ بها، إذ كان المعلمون يعدونها بمثابة الأنشطة الكمالية، وليست علمًا أساسيًّا، وكان الاهتمام بالفرنسية على حساب العربية، لذا كان العمل فيها على جعل العربية مشوهة، مما جعل الطلاب يشعرون شعورًا سلبيًّا تجاهها[69]، وزاد الطين بلة أن القائمين على المناهج التعليمية جعلوا خططًا أربعًا هي سبيل الإصلاح، وهي:
1- التعميم: وينص على أن كل مغربي له الحق في التعلم، وهذا بخلاف عهد الاستعمار الذي جعل التعليم مقتصرا على فئة معينة.

2- توحيد التعليم المتعدد الأصناف على عهد الحماية وأن يصبح مغربيًّا.

3- التعريب: وإبعاد الفرنسية من التعليم، باعتبار أن العربية هي لغة الدين.

4- المغربة: وفيها يكون كرامة المغربي فوق كل محتل.

إن الناظر إلى هذه المبادئ يجدها ظاهرها يعيد مكانة المغرب بعد احتلال دام ستين عامًا، ولكن هل تحققت هذه المبادئ؟ وبكل أسف ما تحقق منها أي شيء، إذ أصبحت شعارات فارغة خالية من أي أعمال جديَّة، والأعجب من هذا أن مبدأ توحيد التعليم لم يحقق أي نفع للمغاربة، بل حقق لليهود المغاربة تعليمًا منفتحًا، إذ كان لهم نوعان:
الأول: تشرف عليه الرابطة اليهودية.

والآخر: المدارس الفرنسية اليهودية، ثم اندمج النوعان في نوع واحدٍ وأصبح تابعًا للرابطة اليهودية فقط[70].

فقد أعطى التعليم المغربي لليهود أكثر مما أعطى الفرنسيون لهم، أما التعليم الحر الذي أنشأته الحركة الوطنية فقد حافظ على وجوده على عهد الاستقلال، ولكن في اتجاه معاكس لما كان عليه على عهد الحماية إذ تغير اتجاه مناهجه من الاتجاه القومي إلى الاتجاه الفرنسي، وهذا ما أشار إليه صاحب مدارس البعثة الفرنسية بالمغرب بقوله: "لقد كانت المدارس الحرة على عهد الحماية معربة تماما، مهمتها تكوين مثقفين وطنيين، أما الواقع الآن فهو أن هذه المدارس قد تحولت إلى مدارس خاصة، تتسابق نحو تكريس الازدواجية، وأحيانًا الفرنسة شبه التامة، محاكاة منها لمدارس البعثة الثقافية الفرنسية، باستثناء مدرسة أو مدرستين... لقد كانت أيام الحماية الفرنسية على المغرب تضم أبناء الفئات الفقيرة والمتوسطة، أما اليوم فهي قبلة نوعين من الأطفال:
1- المطرودين من المدارس الحكومية، أو الذين لم يجدوا فيها مقاعد أصلاً وهؤلاء هم الطبقة الفقيرة.

2- أبناء الطبقة المتوسطة وأطفال الطبقة الغنيَّة الذين لم يحصلوا على مدارس البعثة الفرنسية، وهي التي تشكل ذيولاً مغربية لمدارس البعثة"[71].

وهو هو ما يحدث في العصر الحديث فإذا ما أخذنا منهجًا كالتاريخ مثلاً سنجد أنها ترجمة للغرب؛ ففي السنة الأولى يدرس الطالب الحضارة اليونانية والرومانية، ثم يتطور المنهج فيدرس الطالب تاريخ المغرب وفرنسا ونبذة عن تاريخ الإسلام، خاصة الأمويين والعباسيين، أما في السنة النهائية من المرحلة قبل الجامعية فيدرس الطالب تاريخ الإسبان فقط!!

ففي قسم التاريخ الفرنسي مثلاً يدرس الطالب:
1- إقامة السلطة الملكية لويس 13.

2- إثبات التفوق الفرنسي، ومدى فوائد المعاهدات الفرنسية.

3- حكم لويس 14 والحياة الاقتصادية والاجتماعية في عصره مفصلة.

أليس هذا ما تفعله مناهج الغرب لأبنائها حفاظًا على أبنائها، فأين ما فعله المسلمون حفاظًا على أبنائهم، فإنا لله!
فبإلقاء نظرة عجلى على المناهج المغربية فسنجدها لا تخرج عن الآتي:
1- تغلغل الفكر اليساري.

2- تعميق الفكر الصليبي الليبرالي.

3- دراسة الفكر الباطني لإخوان الصفا.

4- دراسة أعمال ابن الراوندي على أنها أفكار ثورية تعارض الفكر السني.

5- التركيز على الرأسمالية بقوة.

6- الاهتمام بالتعليم الثانوي إذ هو الأصل والفكر الذي به يتولى الشباب قيادة الدولة فيما بعد.

7- رفع شأن الماركسية لمواجهة المد السني؛ عن طريق بث الفكر الماركسي في المناهج الفلسفية وتشويه تاريخ الإسلام وأنه ذو مذهب ظالم.

8- العمل على التضييق على التعليم الوطني وحرمانه من جميع المساعدات التي كانت تغدق على التعليم الفرنسي؛ إذ يعمل التعليم الوطني على بيان عوار الاحتلال ومدى انحطاطه.

فنرى كأن الاستعمار يعيش بيننا سواء في مصر أو المغرب، ولا يقل حال الدول العربية عن الدولتين مصر والمغرب، فالأمر حقًّا جد صعب، نسأل الله السلامة.

وبعدُ، فإنَّ الموضوع ثري، وكم كنت أتمنى أن أكتب أكثر وأكثر، ولكن أجعل ذلك سبيلاً إن شاء الله ومد في العمر لدراسة كاملة عنه، والله الموفق وهو المستعان وعليه التكلان.


[1] قال النووي: السَّنَنُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالنُّونِ وَهُوَ الطَّرِيقُ؛ شرح النووي على مسلم (16 / 219).

[2] شرح النووي على مسلم (16 / 219).

[3] فتح الباري لابن حجر (13 / 301).

[4] ولا أدل على ذلك مِن قرار مجلس مَجْمَعِ الفقه الإسلامي عام 1992، إذ قال: "إن مجلس الفقه الإسلامي بعد اطِّلاعِه على البُحُوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: الغزو الفكري، والتي بينت بدلية هذا الغزو وخطورته، وأبعاده، وما حقَّقه من نتائج في بلاد العرب والمسلمين، واستعرضت صورًا مما أثار من شُبَه ومطاعن، ونفذ من خطط وممارسات، استهدفت زعزعة المجتمع المسلم، ووقف انتشار الدعوة الإسلامية، كما بينت البحوث الدور الذي قام به الإسلام في حفظ الأمة وثباتًا في وجه الغزو، وكيف أحبط كثيرًا من خططه ومؤامراته...".
انظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة الرابعة، العدد الخامس عشر عام 1413 هـ، ص 208، وانظر: أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة؛ عبد الله الجربوع.

[5] انظر: "الغزو الفكري"؛ د. أحمد السايح، ص 51.

[6] واقعنا المعاصر والغزو الفكري ص 50، وانظر: جوانب من الغزو الفكري ص 2.
كذا عرَّفَه غير واحدٍ مثل الدكتور علي محمود في كتابه "الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" (8-9) فقال: "هو أن تتخذ أمَّةٌ من الأمم مناهج التربية والتعليم لدولة من هذه الدول الكبيرة، فتُطَبِّقُها على أبنائها وأجيالها، فتُشَوِّه بذلك فكرهم وتمسخ عقولهم، وتخرج بهم إلى الحياة، وقد أجادوا بتطبيق هذه المناهج عليهم شيئًا واحدًا هو تبعيتهم لأصحاب تلك المناهج الغازية أولًا، ثم يلبس الأمر عليهم بعد ذلك، فيحسبون أنهم بذلك على الصواب، ثم يجادلون عما حسبوه صوابًا، ويدعون إليه"!
كذا عرفه نذير حمدان في كتاب الغزو الفكري (6-7) فقال: "هو هجمات فكرية مُتلاحقة ذات صلة بتاريخ المسلمين وحاضرهم، تطرح شبهات وأفكارًا مُزَيَّفة مستوعبة تراث الإسلام، وأحوال المسلمين، وقد انطلقت من البلاد الأجنبية شرقية أو غربية على يد المنصِّرين، وأقلام المستشرقين بعيدة عن العمل العسكري المسلح".
وعرفه حمود الرحيلي في "تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري" (ص: 339) بعد أن نقل عدة تعريفات بأنه: "مجموعة الجهود التي تتخذها أمة من الأمم ضد أمة أخرى؛ بهدف التأثير عليها؛ لتوجيهها إلى وجهة معينة.
وهو بوجه خاص: مجموعة الجهود التي اتخذها أعداء الإسلام ضد الأمة الإسلامية؛ بقصد التأثير عليها في جميع الميادين التعليمية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، باستخدام الوسائل والأساليب التي يراها مناسبة من أجل صرف المسلمين عن التمسك بعقيدتهم، وأخلاقهم، وسير سلف الأمة الصالح".

[7] انظر: واقعنا المعاصر والغزو الفكري، ص 60، ودراسات في الثقافة الإسلامية صالح دياب هندي ص 30.

[8] أخرجه أحمد في المسند، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

[9] واقعنا المعاصر والغزو الفكري ص 31.

[10] انظر: عداء اليهود للحركة الإسلامية ص 46، 53، و"واقعنا المعاصر والغزو الفكري" ص 32.

[11] واقعنا المعاصر والغزو الفكري، ص 33.

[12] التنصير، مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته ص 45 بتصرف.

[13] نقلًا بتصرف عن: واقعنا المعاصر والغزو الفكري 39 - 45، و التنصير، مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته 60، المستشرقون والتنصير 32، و التحذير من وسائل التنصير 1 - 22.

[14] " الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم (1 / 20، 21).

[15] أجنحة المكر الثلاثة (1 / 128).

[16] واقعنا المعاصر 48.

[17] أجنحة المكر الثلاثة (1 / 131).
قال صالح الرقب في واقعنا المعاصر (48 - 50): "كذلك ظهر الدافعُ السياسي وراء الدِّراسات الاستشراقية على النحو التالي:
1- أنه لَمَّا خضع العالَمُ للاستعمار الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين اضطرت الدول الاستعمارية إلى تعليم موظفيها في المستعمرات لغات أهلها وآدابهم وتاريخهم وتراثهم حتى يتمكنوا من سياسة شعوب تلك البلاد، وتوجيهها لقبول السياسات الاستعمارية.
2- لما رحل الأجنبي عن البلاد الإسلامية وتحررت الشعوب من سيطرته العسكرية، أراد الغرب الصليبي أن تكون له في قنصلياته وسفاراته رجال لهم زاد جيد من الدراسات الاستشراقية، لكي يقوم هؤلاء الرجال بالمهام التي تخدم سياسة الغرب وأطماعه في المنطقة.
ومن هذه المهام:
أ - الاتصال برجال الفكر والأدب والسياسة والصحافة وإقامة علاقة مودة وصداقة معهم، ومن ثم استخدامهم في بث الاتجاهات السياسية والفكرية التي تريدها الدول الاستعمارية.
ب - الاتصال بالعملاء والأجراء الذين تربوا في أحضان الغرب ومعاهده، ومن ثم تزويدهم بما يساعدهم على القيام بمهمة خدمة الغرب.
ج - إحداث الفِتَن والثورات والانقلابات السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي".

[18] أجنحة المكر الثلاثة 130.

[19] الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم (1 / 23).

[20] الاستشراق والمُسْتَشْرِقُونَ ما لهم وما عليهم 25.

[21] واقعنا المعاصر 50، وانظر كذلك نفس الأهداف وزيادة كتاب/ أهداف الاستشراق ووسائله؛ للأستاذ الدكتور/ سعد آل حميد.

[22] - السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي؛ الدكتور مصطفى السباعي.

[23] انظر مقال: التغريب أخطر التحديات في وجه الإسلام: أنور الجندي.

[24] أساليب الغزو الفكري؛ 58.
كذلك عُرِّفَ في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص 145 بأنه: تيَّارٌ كبيرٌ ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبغ حياة المسلمين بالأسلوب الغربي الأوربي، بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وكيانهم الخاص المتفرد، وجعلهم أسرى التبَعيَّة الكاملة للحياة الغربية اللادينيَّة

[25] انظر: واقعنا المعاصر ص 60، نقلاً عن: معالم الثقافة الإسلامية عبد الكريم عثمان ص 102.

[26] انظر حقيقة ما فَعَلَه المستشرقون من أجل التغريب في كتاب: الاستشراق وتغريب العقل التاريخي 117 - 126. فهذا الكتاب بحث قد تميز بكشف النقاب عن حقيقة العقل التاريخي العربي، وكيف تمت سرقة التاريخ العربي، كما أنه يشير إلى كيفية نهضة الأمة الإسلامية، والخطوات العملية لذلك.

[27] انظر مقدمة عودة الحجاب للشيخ المقدم ص 18 - 20 بتصرف.

[28] الأعمال الكاملة لقاسم أمين ص 144.

[29] أفكارنا والواقع المعاصر ص 93.

[30] انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر 2/228.

[31] "حُصوننا مُهَدَّدة من داخلها" (121 - 122).

[32] أخرجه أبو داود (4 / 197)، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني.

[33] انظر: حاشية السندي على سنن ابن ماجَهْ (2 / 479).

[34] أي: حديث الفِرَق.

[35] انظر: تحفة الأحوذي (7 / 332).

[36] وددت لو تحدثت عن الماسونيَّة في بحث خاص، ولكن...، فما أزينَها بالباطلِ في بلدنِا؛ إذ كانتْ راعيتها زوج المخلوع! فكانتْ - أرانا اللهُ فيهما آيةً - راعية الماسونية في مصر، وكان يؤازها في ذلك ويُساندها مُفتي الدِّيار، وما احتفاله بعيد ميلاده عنَّا ببعيدٍ؛ فقد احتفل بعيد ميلاده الـ57 في ندوة نادي ليونز مصر الدولي، والتى انتهتْ في الثانية عشرة والنصف ليلاً؛ حيث دخل الفنان سمير صبري عليه حاملاً تورتة، وظلَّ يُغَنِّي له: (هابي بيرث داي تو يو يا مفتي)! وسط تجاوب من الحضور في الندوة الذين ظلوا يرددون أغنية عيد الميلاد لمفتي الجمهورية.
وقد جاءت بعض التصريحات كردة فعل على فعله تقول: "وقد أثارت مشاركة - مفتي جمهورية مصر - ضجةً كبيرة بعد التصريحات التي أدلى بها حول المذهب الشيعي والاحتفال بعيد ميلاده في ختام ندوة نادي الليونز المشبوه!
حيث انتقد النائب محسن راضي - عضو كتلة البرلمانيَّة للإخوان المسلمين وعضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب - مشاركة المفتي في أحد الأندية المشبوهة والاحتفال فيه بيوم ميلاده".
وقال النائب: "هذا انحرافٌ وسابقة خطيرة أن يشارك المفتي في لقاءات أحد الأندية المشبوهة، وكأنه يساند دورها الخطير وتحركاتها المشبوهة"، وأضاف: "وبغض النظر عن الاحتفال بيوم ميلاده الذي يعتبر سلوكًا شخصيًّا، فلا ينبغي أن يحتفل به في مكان كهذا"، واستطرد قائلاً: "أُطالِب بعزل المفتي، حيث إنَّ مشاركته ندوة مشبوهة يُعَدُّ عدم احترام لوظيفته ومكانته، وكان عليه أن يلزم سلوكه الشخصي الشكل الذي يحقق لوظيفة المفتي قيمتها وآدابها"، يُشار إلى أنَّ نادي الليونز الذي عقد فيه جمعة ندوته يوم الأحد الماضي هو ضمن مجموعة نوادي الليونز العالمية ذات الطابع الخيري الاجتماعي في الظاهر، لكنها لا تعدو أن تكونَ واحدة من المنظمات العالمية التابعة للماسونية التي تديرها أصابع يهودية بغية إفساد العالم وإحكام السيطرة عليه! نقلاً عن أرشيف منتدى الألوكة بتاريخ (10/3/2009)، والخبر منشور في الجرائد الرَّسْميَّة قبل هذا التاريخ بأُسبوع واحد!

[37] البهائية إحدى مطايا الإستعمار والصهيونية (1- 14).

[38] انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1 / 412).

[39] واقعنا المعاصر 223.

[40] انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1 / 413)، وذيل الملل والنحل 2/51-52، والموسوعة الحركية 2/126.

[41] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1 / 412 - 414).

[42] انظر: البهائية أضواء وحقائق ص 65، والبهائية وسائل وغايات ص 230 – 231، وواقعنا المعاصر 225.

[43] "الموسوعة الحركية" 2/128، 129، و"البهائية وسائل وغايات" ص 24، 69، ووثائق البهائية ص 112،

[44] الموسوعة الحركية 2/128، البهائية وسائل وغايات ص 79، وص: 229 - 230.

[45] انظر: تاريخ الجامع الأزهر، لمحمد عبد الله عنان، ص 14.

[46] انظر: الخطط للمقريزي 4/49، وانظر كذلك الغزو الفكري في مناهج التعليم في مصر (41).

[47] انظر: التعليم في مصر دراسة وثائقية ص 5، وانظر الغزو الفكري في مناهج التعليم في مصر (49).

[48] تاريخ التربية والتعليم؛ سعيد إسماعيل علي ص 195، وتاريخ الجامع الأزهر؛ محمد عبد الله عنان ص 127.

[49] تاريخ التربية والتعليم؛ سعيد إسماعيل علي ص 195، وتاريخ الجامع الأزهر؛ محمد عبد الله عنان ص 127.

[50] انظر تاريخ الجبرتي حوادث سنة 198، باختصار.

[51] الغزو الفكري في مناهج التعليم ص 62.

[52] تاريخ التعليم في عصر محمد علي ص 10.

[53] انظر: كلام الدكتور حسن الفقي في التاريخ الثقافي للتعليم في مصر ص 13 – 14.

[54] الغزو الفكري في مناهج التعليم ص72.

[55] انظر: زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص 7.

[56] الغزو الفكري في مناهج التعليم ص86.

[57] تاريخ الجامع الأزهر ص 230 بتصرف.

[58] انظر: التعليم الحديث دراسة وثائقية ص71.

[59] في التربية؛ لمحمد لبيب ص 13.

[60] انظر: الغزو الفكري ص 93.

[61] تاريخ التعليم في عهد محمد علي ص 95.

[62] الغزو الفكري ص 104.

[63] الغزو الفكري في المغرب رسالة دكتوراه، محمد أمين بن إدريس (1979).

[64] تاريخ ابن خلدون (1/544).

[65] تاريخ ابن خلدون (1/546).

[66] الغزو الفكري في المغرب (267).

[67] الغزو الفكري في المغرب (284)، وانظر: أضواء على مشكل التعليم بالمغرب (16) (بتصرف).

[68] مدير التعليم في المغرب، انظر: أضواء على مشكل التعليم بالمغرب (19).

[69] الغزو الفكري في المغرب (300).

[70] الغزو الفكري في المغرب (305).

[71] انظر: مدارس البعثة الفرنسية بالمغرب (40).



 

محمود موسى

عضو مميز
إنضم
4 ديسمبر 2012
المشاركات
69
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
جزاكم الله كل خير
في ميزان حسناتك انشاء الله
 
إنضم
16 نوفمبر 2018
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
كل الشكر اتمنى ان اجد اسئلة تفكير عليا لمادة الرياضيات للصف الرابع
 
إنضم
18 سبتمبر 2018
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
جزاكم الله كل خير
 

متجاوب 2023

متجاوب 2023

أعلى