مفهوم الدعوة (رحلة التوحيد) الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

متجاوب 2023

مہجہرد إنہسہآن

طاقم الادارة
إنضم
27 أغسطس 2009
المشاركات
40,741
مستوى التفاعل
1,565
النقاط
113
الإقامة
الطفيلة الهاشمية
عناصر مفهوم الدعوة (رحلة التوحيد)
1 - جذور الدعوة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد إمام المتقين، والهادي بإذن الله إلى صراط رب العالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، الذين حملوا دعوته إلى العالمين وبلغوها، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعــد:
لله الفضل والحمد والمنة نشكره تبارك وتعالى أولاً وآخراً على ما يسَّر به من طرح هذا الموضوع، ونسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يكتب لنا الأجر، وأن يجعلنا من الذاكرين الله تعالى كثيراً إنه سميع مجيب.
قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا }، وقبيلة زهران -والحمد لله- قبيلة كريمة أصيلة، لها في الجاهلية قبل الإسلام مجد عريض، وتاريخ تليد، وذلك مسطور ومعلوم ومشهور في دواوين التاريخ.
ثم بعث الله تبارك وتعالى عبده ورسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أخرج الله به العالمين من الظلمات إلى النور، فكان لهذه القبيلة باع في السبق إلى الدعوة، والاستجابة إلى الإيمان، والقيام بواجب الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وحمل هذه الأمانة، حتى سطر لنا التاريخ تلك الشخصيات، وتلك السير التي كتبت، من العلماء، والفقهاء، والعباد، ومن المؤرخين، والشعراء، وكلهم -والحمد لله- ينتمون إلى هذا المعدن الطيب من معادن الخير.
وما زال أبناء هذه القبيلة سائرين على الطريق والمنهج نفسه، وفي معرفة قيمة الدعوة إلى الله وقدرها ومنـزلتها وإجلالها وحمل أمانتها والقيام بأعبائها، فهم قد ورثوا مجد أجدادهم في هذا الزمن الذي بدأت فيه الصحوة الإسلامية تدخل كل بيت، وتطرق كل باب، حتى جاءت من وراء البحار كما جاءت من هذه الديار، وبدأنا نرى بواكير الخير، وتباشير النصر تلوح في الأفق، وبدأ دعاة الرذيلة والفساد والانحلال والفجور يندحرون ويرتعدون، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خاذلهم، وإذا قام أهل الحق فقد كتب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النصر والتأييد لهم:إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار ِ [غافر:51-52]، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:105-107] فهذه بشرى من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بدأت تلوح في أفق الدعوة، وهي قيام هذا الدين من جديد، وتجديده على أيدي أولئك الدعاة الذين يخرجون لا يريدون من الناس مالاً ولا جاهاً ولا دنيا ولا أعراضاً فانيةً زائلةً، وإنما يريدون منهم أن يهتدوا إلى صراط الله، وأن يستضيئوا بنور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما جاء به من الكتاب والحكمة والنبوة والهدى، وأن يقتفوا نهج السلف الصالح في العلم والعبادة والدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه الصحوة والتباشير وهذه الدعوة القائمة في كل مكان، لا يجوز لمن كان أجداده حملة الرسالة الأولى ودعاة الخير والحق، ولمن كانت له تلك الأصالة وذلك الشرف وكرم المحفد، أن يتأخر وأن يتراجع عنها، ولهذا أملنا -وهو إن شاء الله حق وواقع- أن أبناء قبيلة زهران، المعروفة في التاريخ قديمه وحديثه أن يكون لهم -بإذن الله تعالى- قصب السبق في حمل لواء الدعوة إلى الله، وفي معرفة قدرها، وفي بذلها للناس، وفي الصبر على كيد أعداءها.
لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصطفي من خلقه من يشاء، ويصطفي لدعوته من يشاء، والدعوة إنما هي اتباع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتباع لمنهجه، كما قال تبارك وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين َ [يوسف:108] فمن اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ادَّعى اتباعه يلزمه أن يصدق ذلك باتباعه في دعوته، وبسيره على منهجه وعلى طريقته في الدعوة إلى الله، فما كان شأنه وما كان عمله وما كانت وظيفته ومهمته في الحياة إلا الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فجاهد، ودعا وأوذي من أجلها وصبر واحتسب حتى بلغ رسالة الله، وأظهر الله تبارك وتعالى هذا الدين على العالمين، وعلى الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون، فلله الحمد والفضل والمنة على ذلك.
2 - المخرج من الأزمة الحالية يكون بالدعوة إلى الله تعالى


ولقد غشيت القلوب غشاوات، وللتأريخ فترات وجولات، فقد مرت فترة أو مرحلة كان الناس فيها في الجهالة، ثم أيقظ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذه الأمة بدعوة الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب ، ثم وقعت الغفوة -أيضاً- مرة أو مرات، ثم كانت الغشاوة الأخيرة، التي عانينا منها جميعاً في كل مكان، الغشاوة التي كانت كما قال عنها السلف الصالح : 'حب الدنيا رأس كل خطيئة' والانفتاح على الدنيا التي تدفقت علينا من فوق البحار، والنعمة التي فتحت، وزهرة الحياة الدنيا حتى كان هناك من يحق فيهم قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُون َ [يونس:7].
فقد تأثر كثير من الناس بهذه النعمة وهذا الترف، وأرادوا أن يأخذوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، وقد أقسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو البر الرحيم الشفيق بالمؤمنين- بقوله: {والله ما الفقر أخشى عليكم } وقد مرت هذه البلاد وهذه المناطق -جميعاً- بقرون من الفقر، ومع ذلك يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم } وقد وقع هذا في هذه الأمة.
وهذا الترف الذي وقع في الأمة في السنوات الماضية وبدأنا نرجع قليلاً قليلاً إلى نوع من الوعي والاستقرار والطمأنينة بعد سنوات الطفرة والضياع والفراغ أدّى إلى أن يشتكي العامة والخاصة مما حدث لأصالتنا ولعاداتنا الطيبة ولما هو أعظم من ذلك وهو: إيماننا وتقوانا ومعرفتنا بربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واستقامتنا على منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا بنا جميعاً نقول: ما الحل، وما المخرج؟
فيأتي الحل والمخرج بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الدعوة إلى الله.
إن الدعوة إلى الله هي الغيث، فمهما أجدبت الأرض وأمحلت إذا أغاثها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تعود وتزهر وتنبت من كل زوج بهيج.
الدعوة هي الحياة


الدعوة إلى الله هي الحياة، كما أن ترك الدعوة أو ضعفها هو الموت أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] فقد أحيا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا القرآن وبهذه الدعوة قلوب الصحابة الكرام، وقلوب العرب بعد أن كانوا في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، ونحن اليوم نحتاج إلى ذلك العلاج، ونحتاج إلى تلك الحياة، ويجب علينا أن نعلم أن الدعوة إلى الله هي الحياة، وأنه لا حياة لنا بغير الدعوة إلى الله ولا عز لنا بغير الإيمان بالله، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كتب العزة لمن أطاعه، وكتب الذل لمن عصاه، فأبى الله إلا أن يذل من عصاه، مهما كان ومهما بلغ من القوة والجاه.
فإذا أردنا العزة في الدنيا وفي الآخرة، وإذا أردنا المجد في الدارين، وإذا أردنا أن ننال رضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فعلينا بالدعوة إلى الله، وأن نحب الدعاة إلى الله، وأن نسمع للدعاة إلى الله، وأن نتبصر بما يبصرنا به من يدعونا إلى الله، وأن نعلم أن هذه الدعوة هي روحنا وحياتنا وهي الغاية العظمى من وجودنا واختصاصنا بأننا أمة الإسلام كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
ماذا يريد الدعاة إلى الله


ولننظر إلى هؤلاء الدعاة ماذا يريدون منا وماذا يطلبون: أطلبوا منا مالاً؟
أطلبوا منا دنيا؟
أطلبوا منا جاهاً؟
لا والله، بل من الناس ومن الجهال من ينهش في أعراضهم، ويعتدي عليهم بأنواع من الأذى والسب، وهناك من لا يطيق رؤيتهم، ومن يبغضهم ويكرههم، ومع ذلك لو اهتدى أعدى عدو للدعوة واستقام، وعرف الله وصلَّى وصام وحج البيت الحرام وعف عما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن الدعاة يحبونه أشد الحب، وينسون كل ما قد أسلف فيهم من الأذى ومن الشر ومن الزور ومن البهتان، مع أنه لم يسترضهم كما يرضي أهل الدنيا بعضهم بعضاً بالمال، أو بما تحكم به القبيلة أو أي أحد، فهم لا يطمعون إلا في أن يهتدي، وهدايته وطاعته لنفسه، وخير ذلك واستقامته له في ذاته.
فهم لا يريدون منه شيئاً ولكن يريدون الأجر من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يريدون أن يعرف طريق الله، ولا يريدون لمسلم أن يعصي الله، كما قال بعض السلف : 'وددت لو أن جسمي قد قرض بالمقاريض وأن أحداً لم يعص الله عز وجل'.
يحبون الله ويحبون أن يطاع الله، يحبون أن يسير الخلق في طريق الجنة ولا يسلكون طريق النار، يحبون ألا يدخل النار ولا يسلك طريق أهلها من هذه الأمة أحد، وخاصة من كان من أهلهم، أو عشيرتهم أو ذويهم، لا يحبون لهم إلا الخير، ومع ذلك يصبرون على أذاهم ويقولون كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون } ويتحملون ذلك الأذى ثم لا يطمعون من الناس في شيء، بل هم يستبشرون بوعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم وبما أخبر به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم }.
فهم يستبشرون بما بشر الله به عباده الصالحين، وأثنى به عليهم، كما في قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] يقول الحسن البصري رحمه الله: [[هذا ولي الله، هذا حبيب الله، هذا صفي الله ]].
والناس كلهم يقولون ويتكلمون ويتجمهرون ويتجمعون، ويقيمون الحفلات، ويحضرون جموعاً غفيرة، ولكن شتان بين جمع وجمع، شتان بين من يجتمعون على ذكر الله فينفضون وقد غفر لهم حتى لو كان شقياً كما في الحديث، تقول الملائكة: {يا رب! إن فيهم فلان ليس منهم ولكن جاء فدخل فيهم، فيقول الله تبارك وتعالى: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، قد غفرت له معهم }.
فشتان بين هؤلاء وبين من يجتمعون على الإثم والخطيئة، ويتفرقون تفرقاً غير معصوم عن الإثم والخطيئة، وعن ذكر نهش الأعراض، وعن ذكر ما يثير الغرائز أو الفواحش أو النعرات أو الشحناء أو البغضاء بين المسلمين أو بين قبائلهم أو بين قراهم أو بين أفرادهم وكل ذلك مما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فكل الناس يتكلمون وميزة الناس هي هذا اللسان الذي علَّمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به البيان وجعلنا ننطق به، لكن: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] يدعو إلى من؟
يدعو إلى الله، نحن لا ندعو إلى بشر كائناً من كان، وهل هناك بشر أفضل وأعظم وأعلى قدراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
لا والله، ومع ذلك فنحن لا نقول: إننا دعاة إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن نقول: ندعو إلى الله؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان يدعو إلى الله، فنحن لا ندعو إلى إنسان كائناً من كان، فالدعاة جميعاً لا يدعون إلى أنفسهم، ولا يريدون من الناس أن يقتدوا بهم، ولكن يريدون أن يعرف الناس ربهم وأن يقتدوا برسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فأي قوم أحق وأولى بأن نفرح بهم من الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
وأي عمل أجدر وأولى بأن نسر ونفرح ونسعد به من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
وهي بهذه المنزلة، وأهلها بهذه المثابة عند الله عز وجل.
حال العرب قبل الدعوة وبعدها


قد كان العرب يعيشون في تلك الجاهلية والظلمات لا قيمة لهم بين الأمم، كان الفرس والروم يحيطون بهم من كل جهة، وكان العرب يعيشون السلب ويعيشون النهب، ويأكل بعضهم أموال بعض:
وأحياناً على بكرٍ أخينا إذ ما لم نجد إلا أخانا
والقافلة الوحيدة، والركب الوحيد الذي لا يستطيع أحد أن يمسه أو أن يقربه، هو قافلة كسرى، فكان كسرى ملك الفرس يرسل قافلة تأتي فتجول بلاد العرب وتمر بأسواق العرب، عكاظ ، ومجنة ، وذي المجاز ، وغيرها، لا يستطيع أحد أن يتعرض لها، لأنها قافلة كسرى، وما كان الفرس يعدون العرب أمة، حتى أنهم ترفعوا أن يجعلوا عليهم ملكاً يحكمهم من قبلهم، لأنهم شذر مذر هباءً لا قيمة لهم، ولما بلغ كسرى كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعوته، أرسل إلى عامله بـاليمن : ' أنه بلغنا أن رجلاً من العرب قد خرج، فأرسل إليه رجلين جلدين يأتياني بخبره'.
سبحان الله! كان في نظر كسرى أن هذا الرجل -داعية الحق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول رب العالمين- لا يستحق جيشاً ولا كتيبةً وإنما في نظر كسرى أن رجلين فقط يستطيعان أن يأتيا به ولكن الحق لا بد أن يظهر ولا بد أن ينتصر.
فدمَّر الله تبارك وتعالى عرش كسرى وملكه، ودخله سعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنه، بجند محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
في أيام عمر رضي الله عنه، دخلوا المدائن ودخلوا البيت الأبيض كما بشَّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل سعد ومن معه، وعجبوا من هذه الزينة، ومن هذا الترف، وعجبوا من هذه اللآلئ واليواقيت والجواهر، وأخذ سعد رضي الله عنه يشكر الله ويذكره ويقرأ قوله تعالى -وهو ساجد لله تعالى شكراً-: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ [الدخان:25-28].
فبماذا كان ذلك؟
كان بالدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يخفى علينا ماذا حصل لـقيصر ولغيره على يد دعاة الهدى أيضاً، فقد كانوا أضل أمة، ثم جاءت عصور وقرون من الانحراف أيضاً، وكانت نجد -وسط جزيرة العرب - أشد بقاع العالم الإسلامي ظلاماً وجهلاً وجاهليةً وظلماً وفحشاء وفجوراً، فجاءت الدعوة من جديد وأغاثها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالدعوة من جديد، فجاءت دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- وإذا بهذه الدعوة تنطلق وتنتشر وتظهر في الأرض بإذن الله تعالى، ويظهر لها قوة عظيمة، وفروع في غرب أفريقيا ، وجنوب شرقآسيا وتركستان ، وبلاد الترك ، ومصر والسودان , واليمن ، وفي بلاد المغرب ، وفي كل مكان، الكل يدعو إلى دعوة التوحيد، إلى دعوة أن لا إله إلا الله، والبراءة من الشرك، وإذا بأولئك يصبحون قادة، وإذا بتلك البلاد تصبح خير بلاد الدنيا، تمسكاً وهدىً وتقوى، ولله الحمد والفضل والمنة.
وهذه سنة ربانية ما تزال قائمة، قال تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38]، وقال في الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54]، فإذا أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يختار أمة، أو أن يصطفيها، أو يعليها، أو يرفعها، فمهما كانت فيها من الفرقة والجهالة والفقر والعوز والخوف فإنه يمنُّ عليها بالدعوة، فإذا قامت بالدعوة , ورفعت لواء التوحيد، والعدل والخير؛ نصرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الدنيا والآخرة.
حقيقة الدعوة إلى الله


إن الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هي دعوة إلى أن يتحرر الإنسان من العبودية لغير الله، من العبودية للأصنام والكواكب والشجر والحجر والبشر، وكل طاغوت يُعبد من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومجداً وكفى عزاً أن نجد من يدعونا إلى أن نكون عبيداً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا هو غاية العز وغاية الحرية، وأما العبودية لغير الله فهي الذل الأكبر، وإن كان بعض الناس يظن أنها حرية أو أنها متاع وخير، فلا خير فيمن عصى الله ولا فيمن لم يطعه.
فالدعوة إلى الله هي دعوة للعدل وللقسط في زمان ظهر فيه الظلم في الدنيا كلها، فالعالم كله اليوم يشكو من الظلم، والجور، ويشكو من الطغيان، والانحراف، والضلال، فالعقوبات الربانية القدرية -كما ترون- من الزلازل والنكبات والمحن والفتن والحروب في كل مكان، ولا حل لذلك إلا بالدعوة إلى الله، فإذا نشرنا الدعوة إلى الله ارتفعت المظالم، وردت الحقوق والأمانات إلى أهلها، وعرف كل إنسان ما له وما عليه، واستقامت حياة الناس التي لا تستقيم بأي نظام إلا بشرع الله وبهدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والدعوة إلى الله دعوة إلى الإحسان في زمان ظهر فيه الشح والخيلاء، وظهر فيه الفخر، والتنافس على الدنيا، وأصبح الإنسان سخياً كريماً جواداً في الفخر والخيلاء والترف الكاذب والبذخ والعمل لغير وجه الله تبارك وتعالى.
فإذا جاء داعي الإحسان وإذا جاءه من يستحق الخير والرحمة، كان شحيحاً قتوراً إلا من عرف الله، واهتدى بهدى الله، وسار في طريق الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالدعوة إلى الله ترفع جميع هذه المظالم، والمشكلات، فالدعوة إلى الله تصحيح لأوضاعنا الاجتماعية، ونحن نعيش في أوضاع اجتماعية فيها سوء وخطأ وخلط وانحراف، ولن يصحح هذا كله إلا الدعوة إلى الله.
بعض الناس يقولون: نشر التعليم يصحح هذه الأحوال، وقد نشر التعليم وانتشر، فما ازددنا إلا جاهلية جديدة، جاهلية مقنعة بالعلم انضمت إلى جاهلية متسترة بالجهل، فالعلم وحده لا يكفي، وأي علم هذا؟!
إن كان علماً يُقرب إلى الله ويهدي بهدى الله فنعم! وأما إن كان مجرد علم مما يراد به غير وجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا لن يهدينا صراطاً مستقيماً، ولن يحل مشكلاتنا التي نعاني منها.
فالمرأة تعاني من هضم حقوقها، وتعاني من الإجحاف بها، وتعاني الأسرة -أيضاً- من تسلط واليها، والأبناء من ظلم الآباء، والآباء من عقوق الأبناء، والأرحام من قطيعة أرحامهم،كل هذه المشاكل نعيشها ونعلمها، ولا حل ولا مخرج إلا بهدى الله وبالدعوة إليه سبحانه وتعالى، وبنشر ما جاء من دين الله وشرعه ووحيه بين الناس ليفقهوا ذلك، وليسيروا على بينة من أمرهم، وعندئذٍ نجد أن كل هذه المشكلات تذهب وتتلاشى بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
3 - واجبنا تجاه الفتن


نحن نشكو في هذه السنوات الأخيرة من قلة ذات اليد ومن قلة الوظائف، ومن أشياء كثيرة بدأت تظهر بعد سنوات الطفرة، التي قليل من عباد الله من شكر الله تعالى عليها، فما الحل لهذه المشكلة؟
الحل هو التوبة والاستقامة، والاستجابة لنداء الله، والاستجابة لداعي الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الحل هو ما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96]، وقال: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16]، وقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة:66].
فهذه بلوى الشر، وبلوى العسر بعد الرخاء والخير والنعمة، وهذه بلوى كما أن تلك بلوى، وهذه فتنة كما أن تلك فتنة، فيجب أن ندفع هذه الفتنة، ونحن -ولله الحمد- نستطيع أن نقوم وأن نسهم في هذا الواجب.
فإن لم تكن من الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باللسان والحكمة والموعظة الحسنة، فكن ممن يُحب مجالس الذكر، وحلقات العلم، ويشجع أهلها ويدعوهم إليها، وإن لم تكن ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتحمل الأذى من أجل ذلك، فلا أقل من أن تُحب أولئك القوم وتبغض من يعاديهم،وتدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم بالنصر والتأييد والتوفيق.
وهذا هو واجب الأمة جميعاً كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] فهذا يُلقي الموعظة، وذاك يعلق الإعلان، وهذا يحدث إخوانه في المسجد: أن تعالوا إلى ذكر الله، والآخر يحث أسرته، وذاك يأخذ الشريط ويوزعه، والثالث يُؤسس جماعة لتحفيظ القرآن، والآخر يحفظ في هذه الجماعة، والباقون يرسلون أبناءهم لهذا التحفيظ، وهكذا نتعاون على إنكار المنكر، وعلى حفظ كتاب الله، والدعوة إلى الله، وعلى إحياء بيوت الله، وإقامة فرائض الله.
وبذلك نجد أنفسنا حقاً على طريق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومتبعين لمنهجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ونجد أنفسنا على طريق خير ونعمة وبركة، وإن قلَّت ذات اليد، فالخير والبركة فيما يعطينا الله سبحانه، ولا خير في عطاء -مهما كثر- لا بركة فيه من الله.
وهذه المنطقة قد مَنَّ الله عليها بدعاة أبرار من أبنائها الأخيار -إن شاء الله تعالى- وإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أراد أن يرفع قوماً اصطفى منهم من يحبه الله، ومن يقتفي منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيرفع الله تبارك وتعالى به قومه كلهم، أو الأمة كلها، وقد انتشرت -ولله الحمد- في هذه البلاد دعوة الخير، وهذه نعمة وفضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فإذا أردنا - ونحن كذلك نريد- أن نكون من أحباب الله، ومن أوليائه وأصفيائه فعلينا بالدعوة إلى الله، لنقم هذا الدين، ولنحيي بيننا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولنتعاون على نصح الجاهل.
والجهال الذين لا يعرفون قيمة الحياة ولا يدركون لماذا جاءوا لهذه الدنيا ولماذا خلقوا؟ كثير منهم يغتر بما أعطاه الله من مال، وهو قليل بالنسبة لما أعطى الله غيره، وبالنسبة إلى سعة ملك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيصرف هذا المال كما يشاء أو يبذر كما يشاء، أو يظن أن تطور المنطقة وتقدمها إنما هو في اللهو أو في اللعب أو في السياحة أو في إخراج المرأة، أو في أمور يطبل ويزمر لها الغافلون عن الله، الذين لا يرجون الله واليوم الآخر، وربما وجدوا من يطيعونهم.
لكن لا بد أن نأخذ على يد السفيه، وأن نأطره على الحق أطراً، وأن نأخذهم بالرفق والحنان والحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكون شيوخ القبائل -وكلهم إن شاء الله على خير وهدى- وأئمة المساجد والدعاة والمدرسون في المعاهد والمدارس وحملة القرآن وحفاظه يداً واحدة على الخير ولا يفتحوا المجال لأي منكر أن يتسرب فيما بينهم.
والمجال يطول جداً، فنحن مُقبلون على أهوال عظيمة نسأل الله سبحانه أن يقي المسلمين شرها، إنها أهوال تفتح اليوم على العالم الإسلامي عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق وسائل الاتصال الأخرى، التي تجعل هذه الأمة فريسة ونهباً لأعدائها، تدمر الأسرة، وتفرق الأمة، وتشتت المجتمع، لحساب العدو الذي يوجه ويسيطر على هذه الوسائل، ولا يمكن أن نقاوم ذلك كله إلا بإحياء الدعوة إلى الله على بصيرة وعن اقتناع وعن إيمان عميق راسخ بما أعد الله للمتقين، وصبر على ما يلاقي الدعاة والمجاهدون، ولنعلم أن الله سبحانه قد قال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].
4 - يا دعاة الخير


لا تظنوا يا دعاة الخير والهدى في كل مكان، أنكم سوف تدعون إلى الله من غير عداوات استهزاء، ومن غير ضغائن تثار عليكم، ومن غير أذى وسب وشتم، فهذا شيء لم يجعله الله لأنبيائه، فكيف يجعله لمن بعدهم؟!
فقد قال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31].
فما بعث الله تعالى نبياً إلا كذب وأوذي وعودي، كما أخبر بذلك ورقة بن نوفل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما قال: {أو مخرجي هم؟! قال: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي }، ولذلك سلَّى الله نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [الحج:42-44] فكل هذه الأمم كذبت، فكذب قوم نوح نوحاً عليه السلام، وكذبت عاد هوداً عليه السلام، وكذبت ثمود صالحاً عليه السلام، ثم كذبت مدين نبيهم شعيباً عليه السلام، وكذب قوم لوط لوطاً عليه السلام، وكذب قوم إبراهيم إبراهيم عليه السلام، وكذب فرعون موسى وهارون عليهما السلام، وهكذا عداوة وتكذيب، ولكن النصر مكتوب مسبقاً وأزلاً للمؤمنين وللمتقين، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصطفي ويختار: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، فإذا رأينا الشاب التقي الصابر القارئ لكتاب الله، المحافظ على أوامر الله، القائم على حدود الله سبحانه، فلنحمد الله؛ فهذا وارث النبوة ماكث بين أيدينا، فلا نكرهه ولا نبغضه، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحبه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن الله وملائكته وخلقه حتى الحيتان في جوف الماء وحتى النملة في جحرها يصلون على معلم الناس الخير } يحبه الله، ويحبه ملائكته في الملأ الأعلى، ويحبه خلق الله حتى الدواب تحبه! حتى الحيتان في جوف الماء كما في حديث أبي الدرداء : {إن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في جوف الماء }.
تستغفر له حتى النمل في جحورها، تحب الدعاة إلى الله، وتحب من يتلون كتاب الله، وتحب من يأمرونا بذكر الله، كل هؤلاء يحبونهم ونحن نبغضهم أو نعاديهم؟!
نعوذ بالله أن يكون منا من هو كذلك، فهذا قد حقت عليه الشقاوة، وإن كنا نسأل الله سبحانه الهداية للجميع، لكن من باب التبصير والتثبيت للدعاة، ومن باب حث الإخوة المسلمين في كل مكان على التعاون مع الدعاة والتكاتف والقيام بنصرتهم، وتأييدهم وتسديدهم، نقول ذلك تذكيراً لهم كما أمر الله سبحانه.
ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يستجيبون لله والرسول إذا دعاهم لما يحييهم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
5 - الأسئلة


من وسائل الثبات على الدين


السؤال: كثير من الشباب يمنُّ الله عليهم بالهداية، ولكن سرعان ما يرجعون عن ذلك أو يضعف إيمانهم، فما هي نصيحتكم لمثل هؤلاء، وجزاكم الله خير الجزاء؟
الجواب: أولاً: نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبتنا على الحق، فقد كان دعاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في سجوده: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك }، وكما قال: {قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء } ولذلك ندعو الله سبحانه بالثبات، ونسأله ذلك دائماً.
وننصح الشباب وغيرهم -والحمد لله فإن الهداية حتى في الكبار- ننصح كل من يهتدي إلى الله أن يأخذ هذا الدين عن علم وبصيرة، بعض الناس يهتدي هداية عاطفية،وهذه ثورة عاطفية لا نريدها، بل نريد أن تكون على علم وفقه في الدين وعلى بصيرة، وعلى معرفة بما أنزل الله، وبأحكام الله بقدر ما يستطيع، وأن يوغل في هذا الدين برفق، لأن بعض الناس يأخذ هذا الدين دفعة واحدة، فيتحمل أكثر مما يطيق فينكص على عقبيه، نسأل الله العفو والعافية.
وعليه أن يستشير الدعاة والمربين والموجهين الذين يُعلمونه كيف يبدأ في دعوته، وكيف يتأنى، وكيف تكون الحكمة فيها، ثم نوصي وننصح إخواننا بمجالسة أهل الخير الذين يذكرونا إذا نسينا، ويعلموننا إذا جهلنا، فإن هذا مما ينفعنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به، ويقوي إيماننا، وكذلك نثبت إيماننا ونقويه بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض، التفكر في هذه الكواكب والنجوم والسماوات، والأرض، وفي الشمس، والقمر، فكلها عجائب نتفكر في آبائنا وأجدادنا وآبائهم، أين القرون الأولى؟
أين من حفروا الآبار وأجروا الأنهار، وغرسوا الأشجار، وأثاروا الأرض، وعمروها أكثر مما عمروها؟
أين هم؟
ماذا فعلوا؟
تلك بيوتهم، وأنصابهم، وآثارهم قائمة شاهدة لنا تكاد أن تنطق وتقول لنا: إن مصيركم ومصير بيوتكم ومصير ما تعمرون ومصير مزارعكم ومصير كل ما تشيدون مثل هذا المصير، وإن طال الزمن!
إذا تفكرنا في ذلك فإن الإيمان يثبت بإذن الله تبارك وتعالى، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم في الدنيا والآخرة.
معهد التمريض للبنات


السؤال: بلغنا أنه سوف يقام في منطقة الباحة معهد للتمريض للبنات، ونحن أهالي هذه المنطقة لا نرغب في ذلك لما فيه من المفاسد، فكيف السبيل لكي نبلغ المسئولين ذلك؟
الجواب: يحق لكم ألاّ ترغبوا، ومما أحمد الله عليه أنني قد لمست هذا الرفض القاطع في معظم ما ذهبنا إليه في هذه المنطقة من مساجد أو قرى أو قبائل،كلهم يذكرنا بهذه القضية ويثيرها ويرفض رفضاً قاطعاً أن تمتهن بناتنا هذه المهنة، ونحن أهل الأصالة وأهل الشرف وأهل التقوى، أن تصبح بناتنا خادمات وهن أعز وأغلى ما نملك وما نحافظ عليه، يخدمن أولئك الأغراب مع هذا الاختلاط الموجود في المستشفيات، مع ما فيها من مفاسد معلومة، فهذا شيء لا نرضاه ولا نقره، ولا يرضاه من هو دوننا في النسب والحسب والشرف، ولا يرضاه من لم تبلغه دعوة الله، ومن لم يعرف منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن لم يعلم حدود ما أنزل الله، فكيف بنا نحن -والحمد لله- بعد أن هدانا الله للإسلام؟!
ومما آلمني -ولعله يكون باب خير- أن المسئول عن المعاهد في المملكة كلها هو من أبناء المنطقة، فأملت خيراً وهو من قبيلتكم -أيضاً- ولعلكم إن شاء الله تحدثونه وتخبرونه، ولا بد أنكم تجدون عنده الاستجابة وعند غيره ممن هو فوقه من المسئولين، فيجب علينا أن ننكر هذا المنكر، وأن نبلغهم جميعاً ولن نعدم الوسائل.
فإذا جاءت البلدية وأخذت متراً أو ربع متر أو أقل من ذلك أو أكثر فنعرف حينها كيف نتصرف، فهذا يطالب وهذا يوسط حتى أن الواحد منا لا يشاور الجماعة، والجماعة لا يشاورون الأفراد، لأنه إذا انتهكت دنيانا نرى العجب، أما في ديننا فلا بد أن نكون أكثر بصيرة!
ومن الممكن أن يشكل وفد من المنطقة ويقابل المسئولين في المنطقة، ويرفعوا هذا الرفض إلى الجهات العليا، وهذا الوفد يذهب إلى هناك ويكتب من يكتب، ويقدم من يقدم، ولا سيما -والحمد لله- أن مشايخ القبائل والوجهاء والأعيان لن يقبلوا ولن يرضوا بهذا الوضع، وإن لبس بلباس خدمة الوطن، أو أن المرأة تأخذ دورها في الحياة، أو أن هؤلاء الفتيات يقمنَّ بواجب تقوم به الأجنبيات، فنحن نعلم أن هذه مهنة تتنافى مع ما نؤمن به نحن -والحمد لله- من دين أولاً، ثم من عادات أصيلة طيبة لا ترضى مثل هذا الحال أبداً، فالفتيات يستنكفن ويستكبرن عن خدمة أمهاتهن في البيوت خاصة بعد أن تعلمن -وعلى سبيل المثال- لو أن خالتها أخت أمها كانت في حالة ولادة، فلا يرضى الأب بذهاب ابنته إليها، ولا ترضى هي نفسها، فكيف نرضى بأن تكون خادمة للغرباء؟!
فلا تغرنا الأسماء، فخادمة الطائرة سموها مضيفة، رغم أن اسمها في لغات الدنيا كلها خادمة، لكن سموها عندنا مضيفة، لأننا شعب كريم يقولون: هذه مضيفة وهي في الحقيقة خادمة، وهذه خادمة، لكن قالوا: ممرضة، وكأن كلمة ممرضة تزيل تلك الكلمة التي لا يريد أن يسمعها أحد عندما يقال: خادمة، فهي في الحقيقة خادمة، ومهما قيل فهي خادمة، وأي واحد دخل المستشفى -عافاني الله وإياكم- أو زاره، يرى ويعرف أنها فعلاً خادمة، ومن تخدم، ولمن تقوم بهذا العمل.
فهذه المنطقة المحافظة الطيبة يجب أن نحميها، وأن تكون حصناً ودرعاً قوياً، ويكفينا ما اجتاحنا من انتشار محلات الفيديو ومحلات الأغاني -نسأل الله العفو والعافية- ويكفينا البث المباشر الذي سيفد علينا، ولا ندري كيف نتعامل معه، ويكفينا أن المجلات الخبيثة التي كانت توزع في مدن خاصة وأصبحت الآن توزع عندنا هنا.
وللأسف يوجد من أهل المكتبات من يوزعها، ويكفينا المقاهي التي تنتشر على الطرقات والتي لا تقفل أبوابها، ففي المدن الأخر أنظمة ففي الساعة الحادية عشر ليلاً تقفل المقاهي، أما عندنا فإن في الساعة الحادية عشر ليلاً تبدأ المقاهي في الازدحام، وتستمر إلى طلوع الفجر، وأشياء أخرى عجيبة كثيرة، فنحن في غنى عن إحداث مشكلات ومنكرات كثيرة، وهذا هو مفرق الطريق بين أن نصدق الله فيصدقنا، أو أن نقول: ليس لنا دخل فنتخلى ونتخاذل فيستبدل قوماً غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا.
ومشكلة المرأة، والعرض، ومشكلة الشرف، ما كنت أظن ولا أتوقع أننا في هذه المنطقة نحتاج إلى من يُذكرنا بها، سبحان الله! حتى في جاهليتنا أيام الأجداد قبل أن يعرفوا هذا النور ما كانوا يحتاجون أن يذكر أحد بالغيرة على زوجته أو على بنته، ولكن مع الأسف دخل في بعض منا جهل بسبب الانبهار بهذه الحضارة، أو حب الدنيا، أو الإعجاب بالزيف الذي وفد مع هذه الحضارة الكاذبة.
أحكام تتعلق بدراسة البنات


السؤال: نظراً لازدحام الكلية المتوسطة للبنات في الباحة اضطر بعض الناس إلى إرسال بناتهم إلى مكة وجدة للدراسة في الجامعة والسكن هناك، كل ذلك حرصاً على المال بعد التخرج، فما هو رأيكم في ذلك؟
الجواب: الكلية المتوسطة نفسها في الباحة ينبغي ويجب أن نتحفظ على إدخال بناتنا فيها لأسباب كثيرة، وأنا لا أعلم عنها إلا الخير، لكن أنا أقول: ما فائدة المواصلة وما قيمة الدراسة؟
الفتاة خلقت لتكون أماً وهكذا أراد الله سبحانه، لتكون أماً ومعلمة أجيال ومربية هدىً وخير، والأمر الرباني الإلهي في القرآن: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33].
فالمرأة إذا قرت في بيتها ولم تتبرج ولم تخرج وصلت فرائضها وأطاعت زوجها، فهي الملكة، وهي المتقية، وهي التي لها خير الدنيا والآخرة، فالبيت مملكتها التي لا ينافسها فيها أحد، وهذه هي غاية السعادة التي تطمع إليها كل امرأة في الدنيا، حتى الغربيات الفاجرات.
الآن حركات قوية تطالب بالعودة إلى البيت، يريدون أن تعود المرأة إلى البيت وأن تترك العمل، وبدأت دول كثيرة -أكثر دول أوروبا - تعطي إعانات للمرأة إذا تزوجت ثم تعطي إعانات للمولود الأول، ثم للثاني أكثر، ثم للثالث أكثر من مجموع الطفلين الأولين.
سبحان الله! الكفار بدءوا يفيقون، ويرجعون، ونحن نقول: تتخرج وتواصل، وبعد أن تتخرج تخدم مثلما درست، وبعد هذا قد لا تتزوج، وإن تزوجت تشتت البيت وتشتت الأبناء، وإن كان الحل هو الخادمة، جئنا بمصيبة على مصيبة وذنب على ذنب، وإن ضاع الأبناء وضاع الزوج وضاعت حقوقه فكلها مصائب، وفي النهاية إما أن تستقيل، وإما أن تمرض، وما أكثر الأمراض النفسية.
واسألوا الذين يُدرِّسون -ونحن باشرنا التدريس- فالتدريس إجهاد وإنهاك، ومعاشرة الأطفال أو الطلاب مجهدة، فكيف بالمرأة الضعيفة المسكينة التي تأخذها الدورة الشهرية، ربع الشهر تقريباً أو أكثر، والتي أعصابها لا تتحمل، والتي تأتي ورضيعها في البيت يبكي، وتأتي تدرس البنات، فتجد المشاغبة، والإزعاج، وتجد المفتشة تدقق عليها في الدفتر، انهيارات وأمراض نفسية وعصبية، كل ذلك تتعرض له هذه المرأة المسكينة، ونحن نقول: حتى تخدم وطنها، وحتى تتقدم وحتى تفعل وتفعل...، مع أن الخدمة العظمى هي أن تقر في بيتها، وتحسن إلى زوجها وإلى أبنائها.
أقول: لو أن هذا كان في أي كلية وإن كانت متسترة ومحجبة ومحصنة وموجودة عندنا، فكيف الذي يرسل بناته أو بنته لتسكن في سكن جامعة جدة أو غيرها؟!
حقيقة يجب أن نقولها وقد قلناها في جدة ولا تخفى على أحد -والحمد لله- وهي أن الفساد الموجود في السكن الجامعي في جدة يندى له الجبين، قد قاومه الدعاة، وقاومته الهيئة، وقاومه المخلصون في داخل الجامعة، وتعبوا من ذلك أشد التعب، حتى في جامعة أم القرى وهي جامعتنا، لا يمكن أن يخلو السكن من مفاسد ومن اختلاط، فبنت فاسدة واحدة تفسد بأنواع من المفاسد لا تخطر على بال بنات هذه المنطقة، لأنها منطقة محافظة -والحمد لله- وفيها خير كثير لكن هناك فساد كبير، والفساد كما ينتشر بين الأولاد ينتشر بين البنات بأنواع كثيرة.
وأي رجل لديه غيرة يرضى أن يقيم هاهنا والبنت في السكن هناك؟!
وعندهم دفتر طويل عريض، فيه أربعة عشر قائمة، خروج للرحلات إلى البحر، تسويق، حفلات،والأب يوقع على أن يسمح لابنته أن تخرج من السكن إلى هذه المناطق، أربعة عشر بنداً من بنود الخروج، والأب الذي لا يوقع كيف تنظر له بنته؟
حجرها وضغطها وفعل بها، والآباء كلهم يوقعون، وأكثرهم لا يقرأ، يعطونه الدفتر فإذا قيل له: وقع فإنه يوقع، وإذا بها تخرج لا يدري أين تخرج، تذهب لا يدري أين تذهب، فإذا وقعت المصيبة -نسأل الله العفو والعافية- يتمنى الواحد أن يفتدي بماله وبدمه وبأسرته جميعاً، يتمنى لو احترق البيت على أهله كلهم وماتوا ولا يقع في مصيبة من هذه المصائب عافاني الله وإياكم منها.
فلماذا ندفع بأنفسنا إليها، ونحن -والحمد لله- نستطيع أن نكون بعيدين عنها، الفساد قائم وموجود، ولو لم يكن فيها ذلك الفساد، فإن مجرد ذهابها إلى هناك في بلد غُربة بمفردها شر وفساد، ومجرد المواصلة فيها من المحظور ما ذكرنا، وما أشرنا إليه، واللبيب يفهم بالإشارة.
مخططات أعداء الإسلام لهدم الصحوة


السؤال: هل صحيح أن أعداء الإسلام يُخططون لتحطيم هذه الصحوة بشتى الوسائل وعلى رأسهم أمريكا ؟
الجواب: نعم، وصحة ذلك ليست مجرد استنتاج من الواقع أو غيره، بل هي أولاً في كتاب الله: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] وغير ذلك.
والواقع مشاهد؛ فإنه في أية نشرة أخبار تسمعها فانظر، ترى أن أمريكا والغرب جميعاً دائماً ضد الإسلام والمسلمين وفي كل مكان، حتى في بلاد المجاعات: الحبشة -مثلاً- فيها المجاعات والمعونات الأمريكية تذهب إلى أقاليم ومساكن النصارى.
وأما أبناء المسلمين فإنهم يشترون شراءً، ويشحنون في البواخر إلى أمريكا ودول غربية أخرى ليكونوا رقيقاً، وليتعلموا النصرانية ، وليربوا ليكونوا في الكنائس، هذا شيء مشهود ومعلوم في كل مكان أنه حقد أعمى.
يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تقوم الساعة والروم أكثر الناس } ولا تقوم الساعة حتى تكون الملحمة مع الروم والروم هم الغرب، وتكون بيننا وبينهم معارك، وستظل هذه المعارك إلى قيام الساعة وإلى خروج الدجال، والحرب بيننا وبين الغرب سجال لا تتوقف، والغرب مهما أعطيناهم من أموال ومهما قلدناهم وتابعناهم واسترضيناهم، فلن يرضوا عنا أبداً.
فالواحد منهم يأتي إلى هذه البلاد فيعطى درجة خبير أو مستشار، وراتب قد يصل إلى ثمانين ألف أو مائة ألف، والسيارة والسكن، مع ذلك انظروا ماذا يكتبون عنا إذا رجعوا إلى بلادهم؟
إنهم في جهل -يركبون الحمير- يعددون الزوجات -فيهم قذارة، إن شوارعهم فيها كذا- مدنهم كذا.
سبحان الله! ينسى كل شيء ولا يذكر إلا الجوانب القبيحة، وربما افترى علينا ما ليس فينا، وهذا شيء مشهود معلوم.
والصحوة هي الخطر الذي يُهدد الشرق والغرب، ولو كان هناك وقت لأعطيناكم نماذج من أقوال أولئك المجرمين، ولكن يكفينا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أخبرنا بأنهم أعداؤنا، وأنهم كما قال تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]، اسمعوا إذاعة لندن ومنتكارلو وصوت أمريكا، تجدون ألفاظهم (الأصولية الإسلامية، الأصوليين، المتطرفين، المتشددين، الجماعات الإسلامية) كل يوم، وما خفي كان أعظم، وما تخفي صدورهم أكبر.
عمل النساء في مجال الطب


السؤال: في إجابتكم الأولى على معهد التمريض وعلى الطبيبات عامة، فماذا نعمل إذا كانت أخواتنا أو بناتنا أو أمهاتنا أو زوجاتنا في حالة ولادة هل يولدهن الدكاترة؟
الجواب: عندما يُنكر على بعض المسئولين لماذا المضيفات في الطائرات؟
وما الفائدة من وجودهن في رحلة ساعة أو ساعة إلا ربع؟
وهذا المنكر، وهذه الزينة، وفساد في البلد، وفي السكن، وفي الطائرة، فإنهم يقولون: افترض أن زوجتك ولدت في الطائرة، فماذا تفعل؟
فيأتيك بحالة نادرة أو جزئية، ويريد أن يهدم منهجاً من مناهج الشرع.
ونحن لا نقول: إن زوجاتنا يولدهن الأطباء، ولا نقر هذا ولا نرضاه، لكن (القابلة) تتعلم هذه المهنة ببساطة، ونحن في منطقتنا نعرف هذا الشيء قبل الطب، وقد كان في كل قرية معروف أن بعض النساء يولدن غيرهن، فكيف الآن -والحمد لله- بعد أن صارت هناك وسائل أكثر، فيمكن أن تكون هناك دورة في شهرين أو ثلاثة شهور تتعلم هذه المرأة فيها، وتصبح قابلة ويمكن أن تولد القرية، وفي كل قرية قابلة أو قابلتين وانحلت مشكلة الولادة.
فإقرار المعهد بناءً على الولادة فليس صحيحاً أن ننظر إلى حالة معينة ونترك كل تلك المفاسد، وكل قضية لها حل في ديننا، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فديننا والحمد لله لا يعجز عن إيجاد حل، ولكن نحن نعجز أن نستنبط من ديننا حلاً لمشكلتنا، فقد كان نساء الصحابة يلدن ونساء التابعين كذلك، وكل الناس يعرفون هذه الحالات، ويعلمون أن المرأة قد تضطر أن يكشف عليها طبيب، والضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها -مثلاً- العملية التي لا يستطيع أن يقوم بها إلا الرجل فليس علينا حرج في ذلك، وهذا يكون بقدر وتحفظات معينة، أما أن يتخصص الذكور في طب النساء والولادة، والمرأة تتخصص في جراحة عامة فهذه مشكلة، وهي الانتكاسة للمعايير، وهذا هو الذي نشكو منه، وهو أنَّا نسير في تقليد للغرب دون تقليد للشرق، فنحن بحاجة إلى أن نبحث عن حلول لمشكلاتنا من ديننا، وبقدر حاجاتنا وطبيعتنا سنجد أن حل هذه المشكلات تزول بإذن الله تبارك وتعالى.
الواجب تجاه سب الدعاة إلى الله


السؤال: بماذا نرد على من يسب الدعاة إلى الله؟
الجواب: إن كنت داعية فقل: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ولا تدع ولا تحزن عليهم فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8] وهذه وصايا ربانية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولنا جميعاً، أن نكون كما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما إن كان يتحدث في أعراض الدعاة وأنت جالس فيجب عليك أن تنكر، ويجب عليك أن تخبره بأن الذي تحدث في أعراض القراء في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك ، قالوا: ما رأينا أكبر بطوناً من قراءنا هؤلاء ولا أجبن عند اللقاء، فسخروا من قراء الصحابة، فأنزل الله تعالى فيهم وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]، فجعلها الله استهزاءً بالله وبآياته وبرسوله، مع أنهم ما استهزئوا إلا بالقراء، لكن القرآن يحمله هؤلاء القراء، والدين هو عند أهل الدين، والذي يستهزأ بأهل الدين فلا ريب أنه استهزأ بالدين إما أصلاً وأساساً وإما تبعاً، ولذلك يجب أن تذكره بهذه الآيات وأن تخبره بأن سب الدعاة والطعن فيهم قد يكون ردةً وكفراً، وأقل ما يقال فيه إنه كبيرة من الكبائر، نسأل الله العفو والعافية.
مظاهر بدعية في العزاء


السؤال: كثير من الناس عند العزاء يقومون بقراءة القرآن والأحاديث، ويقوم أهل الميت بإطعام الضيوف وعمل الولائم، فما هو تعليق فضيلتكم على ذلك؟
الجواب: إن العزاء الشرعي الذي يكون على السنة، يمكن أن يكون بأسلوب مبسط وميسر ودون أن نقع في بدعة، فتعزي من أصابه هذا المصاب في المسجد أو إذا قابلته أو في الطريق، أو في أي مكان بالهاتف أو برقية -مثلاً- بأي شيء تعزيه وتحثه على الصبر، وبذلك تكون قد أدَّيت ما عليك -إن شاء الله تعالى- دون أن نتخذ ترتيبات كما يحصل كثيراً، وإن كان بعضها فيه خير من جهة أنه ذكر لله سبحانه، لكنه لا يقبل بل هو مردود لما فيه من مخالفة سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنسبة لقراءة القرآن فهو خير، وكذلك قراءة الحديث خير، لكن هذا الخير في هذا الموضع، ولهذا السبب الذي اجتمعنا عليه مردود،كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } أي: مردود ليس لأنه قراءة قرآن ولكن لأنه قرأ لسبب غير شرعي، وفي مكان لم يشأ الله سبحانه القراءة فيه.
أما الإطعام وعمل الوليمة فالسنة أن يُصنع لآل الميت طعاماً لأنهم في شغل، وليس عندهم استعداد نفسي كي يطبخوا، فالجيران يرسلون لهم الغداء والعشاء، ولو كثروا أو جاءهم ضيوف أو كانت العائلة كبيرة واجتمعت على هذا المصاب فممكن أن نصنع لهم طعاماً ولو كبر، حتى أن بعض الجيران لو استطاع أن يذبح شاة ويقدمها لهم أو أكثر من ذلك فيعطيه إياهم.
أما أن الجماعة يفرقون، أو أهل الميت يدفعون، أو يصبح قانوناً من دفع ومن لم يدفع، ولكم عندنا سلف في العزاء، ولنا عندكم سلف في العزاء، وتصبح قوانين، هذه بدع ينبغي أن نترفع عنها بعد هذا النور، وبعد هذا العلم، وبعد الفتاوى من علمائنا، والحمد لله فقد أفتونا وبينوا لنا ذلك.
فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
ويكفينا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة } يكفينا ما كان عليه العزاء في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، أما هذه فقد يدخلها من التنافس ومن الخيلاء ومن العمل لغير الله ومن الرياء ما يدخلها.
حكم الكشف على أخت الزوجة


السؤال: بما أنه لا يجوز الجمع بين الأختين، فهل يجوز الكشف على أخت الزوجة، مع أن أخت زوجتي هي زوجة أخي، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب: لا يجوز، ومع أن الجمع بين الأختين لا يجوز وهو محرم فإنه لا يجعلنا نقول: هي محرم لأنها من المحرمات، لا، لأن التحريم نوعان: تحريم مؤبد، وتحريم مؤقت.
فالتحريم المؤبد هو الذي يحرم بالنسب، مثل: الأم والبنت والأخت، فهؤلاء محرمات أبداً فهي محرم، أما أخت الزوجة فربما أن إنسان تموت زوجته ثم يتزوج أختها فالمحرم هو الجمع بين الأختين، فهذا الجمع لا يجعل أخت الزوجة محرماً، وسواء أكانت زوجة أخيك أم غيرها، فلا يجوز لك أن تخلو بها، ولا أن تكشف عليها، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي علمنا الخير كله، يقول: {الحمو الموت } لما سُئل عن الحمو، ونحن نسميه الحمى وهو قريب الزوج، والحمو الموت، أي: الموت الذي لا يكون بعده إلا القضاء الفاني، والخطر الداهم، لأن من خطره أن الناس لا يستنكرون خروجه ودخوله، والأنثى قد لا تتحرز من خروجه ودخوله، حتى الأخ -مثلاً- لا يتحرز من أخاه دخل أو خرج، ومع ذلك الشيطان ينـزغ بينهما، ويسول لهما المعاصي ثم تكون المصيبة -والعياذ بالله- ولذلك كان الحمو هو الموت.
منكرات الأعراس


السؤال: تكثر في هذه الأيام إقامة الحفلات والمنكرات واستخدام المزامير والطبول وعندما ننكر على الناس ونقول لهم: إن هذا محرم، يقسم بالله أن هذا ليس محرماً، وأن معنا دين جديد، مع أنه معلم ومربي للأجيال، فما حكم ذلك؟
الجواب: إذا كان من يقول: هذا حرام قد أتى دين جديد فالمسألة سهلة، فنأتي له بالحديث نفسه، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حرم ذلك، حتى في القرآن: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً [لقمان:6] وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ]] فهذا هو القرآن وليس بدين جديد، والمفسر هو من علماء الصحابة، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث في صحيح البخاري ، وقد جمع ابن القيم رحمه الله أدلة كثيرة في إغاثة اللهفان على تحريم الغناء، فهل أتى ابن القيم بدين جديد، أو أنه نقل أحاديث وضعها الدعاة المعاصرون، فهذه أحاديث عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمل من جمل السلف ومن كلام السلف وكلها نور وهدى، حتى أنهم يضربون للناس الأمثال، وبعض الناس قد لا يتنبه إلا بمثل، والمفروض أنه إذا قيل له: قال الله وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى.
جاء رجل إلى الإمام مالك وسأله عن حكم الغناء، فرأى الإمام مالك أنه جاهل أو أعرابي فأراد أن يفطنه إلى القضية، فقال له: إذا فصل الله يوم القيامة بين الحق والباطل، فمع أيها يضعه، فقال الرجل: مع الباطل، أي: هؤلاء الفنانين مع من سيحشروا؟
مع الصحابة والتابعين والفاتحين، ومع أولياء الله المجاهدين، ودعاة الحق والخير والهدى، ومع أناس اجتمعوا على ذكر الله والهدى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [القلم:35] فمن قضى ليله في هذا اللهو والطرب والطبول والمزامير، هل يحشر مع من اجتمعوا على ذكر الله في بيوت الله؟!
وهل يوضع في ميزانه مثل ما وضع في ميزان من قرأ القرآن وسبح الرحمن وعمل بأحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
لا يمكن ذلك، وهذا حكم لا يليق بعدل الله سبحانه، ولا بحكمته، وكل عاقل لبيب يعرف هذا.
والمشكلة مشكلة إشغال الوقت في غير طاعة الله، واجتماع الناس على غير طاعة الله أكبر من ذلك، فإن أكثر المشاجرات تأتي في هذه الاجتماعات لأنها اجتماعات شيطانية، وأكثر الأحقاد والضغائن بين القبائل تأتي في مثل هذه الاجتماعات، وأكثر الفواحش والزنا -والعياذ بالله- تستغل في مثل هذه التجمعات، فتذهب إليها من تريد الخنا والفجور، ويذهب إليها -أيضاً- صاحبها وكل من يريد الفجور وذاك يلعب وآخر يرقص وهم آمنون مطمئنون، وهذا لا يخفى على أحد، ومفاسد أخرى كثيرة من جراء هذه الاجتماعات، فأكثر من يشرب الخمر يتحيل أن يشربها في تلك الليلة حتى يكيف ويعرض ويرقص كما يشاء، وهكذا، فأصبحت مجتمعات تجمع كل شر وشرير وكل فساد.
أيهما أفضل قراءة القرآن أم حضور المحاضرة


السؤال: ما هو الأفضل قراءة القرآن أم أن حضور إلى المحاضرة؟
الجواب: قراءة القرآن لا شك في فضلها، ولا ريب أن أفضل الكلام هو كلام الله عز وجل، وأن خير الذكر هو قراءة القرآن، ولكن إذا قرأت القرآن قد تستغلق عليك بعض معانيه، وقد لا تتدبر عند قراءته ولا تأخذ منه عبرة، لكن إذا حضرت إلى محاضرة، فيها قال الله وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أعانتك على فهم كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبصرتك بأمور ربما تكون قد غفلت عنها وهي موجودة في القرآن، فإذا قرأت القرآن بعد المحاضرة، تجد أنك تقرؤه بفهم أفضل وأكثر تدبراً بعد حضور المحاضرة، فإذاً حضور المحاضرة أولى.
وخاصة أن بعض الناس عادة ما يكون لديهم تعارض، فهو عادة ما يجلس لقراءة القرآن من المغرب إلى العشاء كل يوم، والمحاضرات عادة ما تكون قليلة، فخير لك أن تجمع بينهما، وأن تجعل هذا من التنوع في العبادة، والتنوع في العبادة مما يعين الإنسان على أدائها لأنه لو سلك مسلكاً واحداً لربما دخله الملل.
الانعزال عن الناس بعد الالتزام


السؤال: بعض الشباب إذا التزم ينعزل عن أهله وعن الشباب ولا يكلم إلا مع من هو مستقيماً ولا يسلم على الناس، فما هو رأي فضيلتكم في ذلك؟
الجواب: يجب أن يعلم الشباب -جميعاً- أنهم أرحم الناس بالناس، وأحرص الناس على هداية الناس، وأن من رحمتهم بالناس أنهم يريدون لهم الهداية وأن يكفوا عن المعاصي، وأن يعرفوا طريق ربهم، لأن هذا هو سبيل الجنة، فمن رحمتهم بالناس أن يريدوا لهم الهداية، فإذا تحول بعض الدعاة إلى انطوائيين منعزلين، أو ملوا من نفور الناس منهم، أو قال: هذا لا يقبل الحق، وهذا ليس فيه خير ولا يمكن أن أدعوه، وهذا لا يمكن أن أسلم عليه، لأن عنده معاصي أو شيء من هذا، فإن هذا يكون من الخطأ.
ونحن الدعاة يجب أن نكون أوسع الناس صدراً، وأكثرهم حلماً وصبراً، ولنا في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسوة الحسنة في صبره ودعوته وتحمله لقومه، وكل رسل الله تعالى كانوا كذلك.
فالانعزال ليس من سمات الداعية الناجح، وإنما الانعزال يكون للإنسان إذا عجز ولم يستجب له، أو كان يخشى على إيمانه هو، وبذل السلام لعامة الناس -أيضاً- هو أمر مطلوب حتى وإن كان فيهم العصاة، فإن هذا مما نتألف به قلوب الناس فلا يصح أن يبقى بعض الشباب محصوراً بين إخوانه من الشباب، ولا يسلم على غيرهم.
ونقول لإخواننا الكبار أو غيرهم ممن يشكون من الشباب الدعاة: إذا وجدت في بعض الشباب الدعاة شيئاً من الخطأ أو القسوة والجفوة والانحراف، فاحملوهم على المحمل الحسن، فاحمد الله أولاً أنهم اهتدوا، وأقل ما في هدايتهم أنهم كفوكم شرهم، فهو شيء كبير، وإذا كان المجتمع كله أناس مهتدون، فهذا خير كبير.
وهؤلاء الشباب -أيضاً- لا يزالون في أول الطريق، وإن شاء الله إذا عقلوا وفقهوا وترقوا في العلم ترون منهم ما يسركم، فاحملوهم على المحمل الحسن، وشجعوهم وخذوهم بالمحبة، وقولوا: إنا نحبكم ولكن لا نريد منكم هذه العزلة ونحن -إن شاء الله- نقبل خيركم ونصائحكم ونقبل توجيهاتكم، فإذا فعلتم ذلك زالت الجفوة والعزلة إن شاء الله.
نصيحة الدعاة لزيادة نشاطهم


السؤال: الدعاة على مستوى منطقة الباحة قليل، وخصوصاً في بعض القرى الكبيرة التي تحتاج إلى دعاة، نرجو أن توجهو دعوة إلى الدعوة والإرشاد بـالباحة لتكثيف نشاطهم؟
الجواب: نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولإخواننا جميعاً ذلك، ونرجو من الإخوان في مراكز الدعوة ومن الدعاة المحتسبين جميعاً ومن كل قادر على الدعوة أن يكثف النشاط، وأن يجدد الهمة، وأن يضاعف الجهد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ونرجو من إخواننا القضاة أن يقوموا بالواجب.
وكذلك مدرسي العلوم الشرعية وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل هؤلاء دعاة بحكم عملهم، فيجب عليهم أن يشاركوا وأن يشجعوا الإخوان القائمين على الدعوة.
نصائح حول المراكز الصيفية


السؤال: تعلمون أنه انتشر -ولله الحمد- في مجتمعاتنا نشاطات في الدعوة إلى الله والتي نسأل الله أن يبارك فيها، ومن هذه النشاطات المراكز الصيفية التي هي مفتوحة لكل من يرغب بالاشتراك فيها، وأنت تعلم بكل ما تحويه هذه المراكز من خير وصلاح.
وسؤالي: ما هي نصيحتكم لمن يعمل في هذه المراكز من الشباب الدعاة وما يلاقونه من مصاعب ومتاعب في دعوتهم، وكذلك لمن اشترك في هذه المراكز وما يحصل منهم من أخطاء، وماذا تنصحون بعض الآباء الذين يمنعون أبناءهم من المشاركة في مثل هذه المراكز بحجة الاشتغال في أمور الدنيا الزائلة؟
الجواب: ننصح الإخوة القائمين على هذه المراكز بالصبر والاحتساب ابتغاء ثواب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يجمعوا قلوب هؤلاء الشباب على الخير، وأن يعلموهم ويبدءوا بالأهم فالأهم من العلوم، ويفقهوهم في الدين حتى يكون تمسكهم وإيمانهم عن فقه وبصيرة.
وأما من اشترك في المراكز الصيفية فننصحه بأن يستقيم على أمر الله أولاً، ثم أن يستفيد من الأنشطة الجيدة في هذه المراكز، وأن يتلافوا أخطاءهم بقبول النصيحة والتوجيه ممن يكون مشرفاً على مثل هذه المراكز.
ونصيحتنا للآباء أن يشكروا الله أولاً، ثم يشكروا للإخوة القائمين على هذه المراكز، ونحن كلنا مدرسون وموظفون وفي وقت الإجازة يكون عندنا فرصة لنتحرر ونتحرك وننطلق فيها.
أما هذا الداعية فإنه يخرج من الاختبار ويفتح مركزاً ويرجع في نفس المعهد والمدرسة، ويبذل جهداً ويجمع الأولاد ويربيهم ويعلمهم، وهم يفعلون هذا ليس طمعاً بالمال، وكلنا نعلم أنهم لا يأخذون أي مقابل -ومن لا يعلم فليعلم- وإنما هم يحتسبون الأجر عند الله، ويقومون بهذا الواجب لأبنائنا.
فإذاً واجبنا أن نؤازرهم وأن نشد من عضدهم، وأن نحرص على أن يستفيد أبنائنا، ومعلوم أن فائدة أبنائنا أثناء الدراسة المنهجية قليلة، لأنه مشغول بالدراسة والتحصيل والمذاكرة والمراجعة، لكن فائدتهم في المراكز كثيرة -إن شاء الله- لأنه يلقى أوقاتاً حرة ومجالاً واسعاً وأنشطة متنوعة، فلا ينبغي لأحد أن يضيع ابنه من المركز بسبب كونه في عمل من أعمال الدنيا، فيفوت على ابنه هذا الخير إلا من كان مضطراً لذلك.
دعوة من لا يصلي


السؤال: لي أخ لا يصلي، وكلما أدعوه إلى الصلاة يتذمر، فماذا أفعل؟
وما هو الأسلوب الأمثل لدعوته؟
الجواب: تارك الصلاة ليس من هذه الأمة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا }.
فالذي لا يصلي صلاتنا ليس بمسلم، وليس له ما لنا، ولا عليه ما علينا.
وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة }، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } فاستدامة ترك الصلاة وتركها بإطلاق كفر، وفتاوى العلماء موجودة وربما تكون معلقة ومحفوظة ومسموعة، فهذا الذي لا يُصلي لا يجوز لأحد أن يزوجه، وإذا كانت تحته زوجه فتطلق منه، وله أحكام كثيرة، فنحن عندما نجد إنساناً لا يصلي فهذه مصيبة كبيرة جداً، وقد يوجد من يخطئ بعض الخطايا لكنه من أهل الصلاة، أما من ليس من أهل القبلة، وليس من أهل الصلاة فليس هناك مصيبة أكبر من ذلك إلا أن يجاهر بعبادة الأوثان والأحجار والأصنام من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
لكن الدعوة يجب أن تكون بالرفق واللين، ولا سيما مع أخيه، وأن يأمر أخاه وأهله بالصلاة، وأن يصطبر عليها وعليهم، وأن يبذل جهده في ذلك، فإن كان الله تعالى قد كتب له الهداية فالحمد لله، وإن كان غير ذلك فيكون قد أعذر إلى الله بأنه قد جاء بأفضل الأساليب ولكن أخاه رفض الامتثال بالصلاة.
خطر البث المباشر


السؤال: البث التلفزيوني المباشر عبر الأقمار الصناعية الذي لا يمكن لأحد القدرة على التصرف فيه، فبماذا تنصحون تجاه هذه المصيبة؟
الجواب: البث المباشر مصيبة، فإذا كان التلفاز الآن على وضعه الحالي فيه ما تشمئز منه قلوب أهل الإيمان، وما يخدش حياء كل ذي حياء، من مسلسلات وتمثيليات ومقابلات، والله المستعان!
والحديث في هذا يطول ولكن نقول: هذا في ذاته شر ومصيبة ويجب علينا -جميعاً- أن نتعاون على إصلاحه أو إزالته، والفتن الآن كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها، يرقع بعضها بعضاً كلما جاءت مصيبة وجدنا أن ما قبلها أهون منها } فالمصيبة الأولى خطيرة لكن عندما تأتي الثانية نقول: لا، تلك لم تكن مشكلة، بل هذه هي المشكلة الحقيقية.
وإلى الآن لم نفق ولم نعرف خطر التلفاز علينا وعلى أسرتنا وأعراضنا وشرفنا، إلى الآن أكثرنا مقبل عليه بلهف، وإذا بنا نسمع بالبث المباشر، أوروبا طلبت تأجيل البث المباشر سنتين حتى يتم لكل دولة من دولها أن ترتب أوضاعها الاجتماعية ولتعد العدة، ماذا تستقبل وماذا تترك؟
ولتحصن مجتمعها ضده وهي كلها ثقافة واحدة، ودينها، وعاداتها، وإباحيتها واحدة، وقد عملت فرنسا عوامل ونظمت قوانين حتى لا يسيطر عليها البث الأمريكي، لأنها تريد أن تظل تتكلم اللغة الفرنسية، وأن تكون الثقافة الفرنسية والفن الفرنسي والأفلام الفرنسية هي المسيطرة، حتى الهند عباد الأبقار، فكل دولة بدأت تعمل حسابها وحساب مجتمعها حتى لا يتأثر بعادات وتقاليد غيره، يعملون ذلك كله مع أنهم لا يؤمنون بالآخرة، ولا يوجد عندهم حلال وحرام، لكنهم يخشون أن تذوب حضارتهم إذا جاء البث المباشر.
أما نحن فلم نعد له إلا الخطب فقط، نتكلم هذا خطر وهذا كذا وهذا كذا ولم نفعل شيئاً ونحن نستطيع أن نفعل.
بعض الإخوان يقول: ماذا نفعل، فهل الله كلفنا بما لا نطيق؟
لا، بل نستطيع أن نطيق ذلك، نحن الذين سوف نستقبل التلفاز، وضرره سوف يعمنا نحن.
إذاً: علينا أن نتحرك، فلو جاء طاعون، أو جاءت الكوليرا، أو الحمى الشوكية، فإن كل واحد منا يبادر، فهذا يذهب ويأتي بالدواء، وآخر يأتي بالتطعيم، وهذا شيء طيب، لكن هذا والله أخطر من ذلك كله، فهل فكرنا فيه؟
وهل كوَّنا عامل ضغط قوي ليؤثر في الساحة؟ فنذهب ونتحدث مع وزارة الإعلام ومع وزارة الداخلية، ومع أي مسئول يمكن أن يؤثر.
لماذا لا توضع حواجز وموانع؟
لأننا مهما قلنا لا يمكن لهم أن يسلطوا علينا البث المباشر مجاناً.
صحيح أنهم يريدون هدم ديننا، وأن التنصير بالذات يريد أن ينصر أبناء المسلمين عن طريق البث المباشر، وهم الآن جاهزون للعمل لذلك، لكنهم -أيضاً- لا يريدون أن يكون كل شيء مجاناً، فلا بد أن يكون ضمن اتفاقيات دولية،، فهل استطعنا أن نؤثر، وأن نكتب، وأن نتحرك كي نتلافى هذا الخطر؟
لكن مشكلتنا هي أننا نذهب ونطالب بالتعديل بعد وقوع المصيبة، لماذا لا نطالب الآن قبل وقوع المصيبة حتى نتداركها، وحتى يكون هناك أمور ضمن القوانين الدولية أو الأعراف الدولية تضبط، والبلد هذا لا بد أن يكون بلداً بعيداً عن كل هذه الأشياء، إذا كانت فرنسا لا تريد البث الأمريكي مع أنها كلها إباحية وإنحلال، فنحن أحوج وأولى، يجب أن نرفض أي بث فيه فسق أو فجور، فكيف إذا كان فيه الكفر والإلحاد؟
نسأل الله العفو والعافية.
فالواجب علينا أن نتحرك، مادمنا نستطيع أن نتصرف وننكر ونكون أداة ضغط بالكتابة في الصحف، وبالكتابة إلى المسئولين، وبنشر الوعي بين الناس، لأن الأمة التي ترفض هذا المنكر فإنه لن ينتشر بإذن الله بينها، ولا نستطيع أن نقول أكثر من ذلك، وهناك دعاة فضلاء وإخوة كرام، قد تحدثوا عن مثل هذا الموضوع،مثل الشيخ الدكتور ناصر العمر وأشرطته موجودة والحمد لله، فينبغي على كل واحد منا يسمع هذه الندوة، وهذا الشريط، وأن يسمعه أهله ليرى خطر وضرر هذا المنكر والله المستعان.
أما الفيديو فقد تكلمنا عن التلفاز فما بالكم بالفيديو، ونقول: إن الفيديو قد رقق التلفزيون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نصيحة لمستمع الأغاني


السؤال: أنا أستمع إلى الأغاني، وأريد أن أبتعد عنها، فكيف أبتعد عنها، وأنا مشترك في تحفيظ القرآن؟
الجواب: أنت عندك الخير، وعندك الهداية، ومشترك في تحفيظ القرآن، وعندك كلام الرحمن سبحانه فلا تخلطه بمزمار الشيطان.
وبالنسبة لسؤالك كيف تتركها؟
فأقلع عنها وقل لنفسك: يا نفس! إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.
قل: يا نفس! لو أطعتكي لهذه الشهوة لوجدتها في ميزان سيئاتي يوم القيامة.
قل: يا نفس! كيف ألقى الله وجوفي محشو بهذا اللهو والضياع، وهذه الموسيقى وهذه المزامير التي تبعدنا عن الله وعن ذكر الله.
خاطب نفسك، وإن شاء الله هذه النفس لوامة، فنفس تحفظ القرآن وتسمع الأغاني هي نفس لوامة، فكيف تكون مطمئنة في بعض الجوانب بالإيمان وباليقين وبالصبر، وتصبر على طاعة الله وتصبر على ما حرم الله سبحانه؟!
فعظ نفسك يا أخي، واستمع إلى من يعظك في تحريم الغناء، وفيما أعد الله سبحانه لمن عصاه عموماً، واعلم أن هذا من المعاصي ومن الكبائر، والكبيرة ظلمة في القلب، ممحقة للبركة، ممحقة للرزق، ممحقة للعمر، والكبيرة ذل، والكبيرة هوان، نسأل الله العفو والعافية: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18] والمعاصي كل شر فيها، وكل خير وكل عز في طاعة الله سبحانه، فذكِّر نفسك بهذا وأمثاله، نسأل الله لنا ولك الهداية.
تعلم أسلوب الدعوة


السؤال: أجد في نفسي حماساً للدعوة إلى الله، ولكن لا أجد الأسلوب الذي يمكن أن أبلغ به ما أمر الله فما العمل؟
الجواب: عليك أن تتعلم الأسلوب، ونحن لا نتوقع أن يكون الواحد منا متكاملاً، فبعض الناس عنده حماس للدعوة، ولكنه لا يعرف الأسلوب، وبعض الناس عنده أسلوب ولكن لا يوجد عنده حماس، لكن كيف نعمل؟
فالعلم بالتعلم، والصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الله لم يطبعنا على العلم، فلا بد من بذل الجهد في تعلم الأسلوب الحسن، وشارك مع إخوانك الدعاة لكي تتعلم منهم وتقتدي بهم.
تفسير قول الله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ)


السؤال: أرجو من فضيلتكم أن تشرح قول الله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ [محمد:38]؟
الجواب: معنى الآية: أنه ليس بين الله تعالى وبين أحد من خلقه نسب، فالله سبحانه جعل هذا الدين لمن قام به، ولكل من قام بأمره، ولكل من اعتصم بحبله، فإنه يأخذ حظه من العزة والخير ومن الفوز برضا الله وجنته، كائناً من كان، فإن تولى قوم عن ذكر الله وعن طاعته فإنه لا يشفع لهم أن منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أنهم ذو أنساب عالية أو أمجاد سابقة، لا يشفع لهم شيء من ذلك، كما قال الله لإبراهيم: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124] فهو يريد أن تدخل ذريته معه، فأخبره أن عهده لا يناله الظالمون، فمن تولَّى فإن الله يستبدل قوماً غيرهم، ولو تولى العرب عن إقامة الدين لنصره الله تعالى بالعجم، فعندما انغمس العرب في الملذات والشهوات في أيام الدولة الأموية ثم العباسية وتركوا القيام بأمر الدين، جاء الأتراك ورفعوا راية الجهاد، ومن بعدهم السلاجقة وغيرهما.
فدائماً إن تولت أي أمة، أو منطقة، أو أي إنسان، أو حكومة أو أي دولة أو أي مجتمع، من يتولى ويخل بأمر الدعوة إلى الله، فإن الله يستبدل به قوماً غيرهم يقومون بأمره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].
حكم من مات وهو تارك لورثته أداة لهوٍ ونحوه


السؤال: إذا تُوفي الإنسان، وترك ضمن أثاث المنزل جهاز تلفزيون وقام أهله بتشغيله بعد فترة من وفاته، سمعنا أن صاحب هذا الجهاز المتوفى يعذب به في قبره، فهل هذا صحيح؟
الجواب: لا نستدل على ذلك بالرؤى أو غيرها، فإن المسألة عندنا لا تحتاج إلى رؤيا، فحكم الله موجود، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل به إلى قيام الساعة، لا ينقص ذلك من أجره شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى قيام الساعة }.
فهذا هو كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا مات وترك لأهله خيراً وذكراً لله ووصايا حسنة وحثهم على الفضائل والطاعات والعبادات وتمسكوا بها هم أو غيرهم فله مثل أجورهم، وإن مات وترك لهم ما يدعو إلى اللهو أو اللعب أو الطرب أو ما حرم الله سبحانه، فله بذلك وزر، سواء هذا الجهاز أم غيره، فهو من ضمن ذلك.
هل الدعوة مقصورة على أناس بعينهم


السؤال: هل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقصور على مكتب الدعوة والهيئة فقط، وما هو دور الناس في التعاون مع الدعاة والهيئة إذا لم يكن لهم تصريح بذلك؟
الجواب: هذا لا يصح، ومن الذي قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محصور في مكتب الدعوة، أو على أعضاء الهيئة، أو على الدعاة؟!
أبداً لا يصح أن يقال ذلك، ومن لا يوجد عنده تصريح الدعوة إلى الله سبحانه فنقول له:
أولاً: لديك أمر من الله، وتصريح وواجب من عند الله، وأنا أستطيع أن أدعو في بيتي وفي قريتي وبين جماعتي، وبين زملائي وفي مدرستي، وكل ذلك من غير هذا الذي يسمونه تصريح، لكن الشيطان يضيق علينا الأمور، ويأتيك من هذا الباب ويقول لك: ليس عندك تصريح فلا تتكلم، وبعض الناس إن أخذ التصريح لا يفعل شيئاً والحقيقة أن القضية ليست أخذ ورقة، ولكن إذا كنت صادقاً مع الله وتريد الدعوة إلى الله فمجالات الدعوة واسعة من غير هذه الورقة، أما هذه الورقة فإنها قد وضعت استثناءً في مرحلة وفي ظروف معينة، ولأسباب نرى أنها توضع، وإلا فهذه الورقة لا تقدم ولا تؤخر.
فالقضاة يجب أن يكونوا دعاة، وأساتذة العلوم الشرعية وخريجي كلية العلوم الشرعية يجب أن يكونوا دعاة بحكم الوظيفة، ولكي نؤهل الدعاة في المنطقة حتى يأخذوا هذا التصريح، لا بد أن يمروا بتدريب وبمراحل معينه، فليس من المعقول أن يأخذوا الورقة من فراغ.
إذاً: لا بد أن ننشئ في المعاهد والمراكز الصيفية وحلقات التحفيظ دعاة يتمرنون ويخطبون تحت إشراف الدعاة الموجودين أو الثقات، حتى يستطيعوا أن ينالوا قدراً من العلم يؤهلهم للدعوة، ويؤهلهم لأخذ التصريح إن أرادوا أن يأخذوا هذا التصريح.
فعلى الإنسان أن يدعو إلى الله، ومجالات الدعوة واسعة، والخطب والمواعظ من جملتها، ومن كان مؤهلاً فليأخذ تصريحاً، ومن كان غير مؤهل فليتأهل وليتدرب تحت إشراف إخوانه الآخرين وبتوجيههم، وبتوجيه إخوانه القضاة والعلماء حتى يكون مؤهلاً ثم بعد ذلك يتقدم لأخذ التصريح، وكل الأمور هي عبارة عن روتين بسيط -والحمد لله- ولا يوجد هناك أي مشكلة.
نصيحة في طلب العلم


السؤال: هل يكتفي طلاب العلم بأخذ العلم في المحاضرات والندوات، أم عليهم أن يحضروا الحلقات العلمية المتخصصة؟
الجواب: إن الصحوة الإسلامية والدعوة إلى الله تخاطب نوعين من الناس، ولا حرج في هذا التقييم ولا غضاضة فيه، لأن الله سبحانه هو الذي قسم، وهو الذي فضل بين الناس، في المال وفي الفهم... وغيرها.
والناس نوعان:
أ- طلبة العلم.
ب- وبقية الناس من العامة أو من كان مثلهم.
أما طلبة العلم: فيخاطبون بالعلم، بقول الله وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في الحلقات العلمية الثابتة، بكتاب يقرأه من أوله إلى آخره، وبآيات أو أجزاء يحفظها حتى يكمل كتاب الله... وهكذا، فيخاطب بالعلم وبالفقه وبالأدلة.
وأما العامة: فيخاطبون بالمواعظ وبالكلمات العامة، وبالندوات والمحاضرات العامة، وما أشبه ذلك،حتى يعرفوا قيمة العلم وأهله ويستجيبوا له، فإذا كان غذاء طلبة العلم منحصراً أو مقتصراً على غذاء العامة، فهذا من الخطأ، فكون طالب العلم لا يسمع إلا مواعظ عامة وكلاماً عاماً ولا يقرأ في كتاب، ولا يقرأ على شيخ، ولا يلتزم حلقة علم هذا خطأ، وهذا ينتج مع الزمن جهلاً مطبقاً وإن كان هناك حماس وعواطف طيبة لكنها لا تغني عن العلم التفصيلي بالأدلة.
حتى الذين يهتدون من العوام، بعضهم يهتدي بحكم أو بعبر أو بأمثال أو بكلمة خير، لكن هل يكفي ذلك عن التفقه في الدين؟
فإذا سأل الناس في الحلال والحرام لم يجد من يفتيه؛ لأنهم كلهم مثله.
فيجب أن يكون في الأمة علماء، والعلم لا بد له من جهد ومن جهاد ومن تعب في الحلقات العلمية.
وتأتي قضية أخرى وهي أننا إذا أقمنا درساً علمياً في مسجد، وجاء عشرة أو خمسة طلاب، فإن بعض المدرسين يقول: والله لم يأت إلا خمسة طلاب وما أستطيع أستمر على ذلك.
وبعض الطلاب يقولون: أتينا أربعة فقط إذاً لا نستمر، وهذا خطأ، فبعض الحلقات العلمية في الحرمين، من ثلاثين سنة وأربعين سنة في مكة وفي المدينة فيها عشرة طلاب أو خمسة طلاب وما مل الشيخ وما مل الطلاب.
والعلم طلابه قليل، والعلماء حتى من الصحابة قليل، ولكن يجب أن يكون منا علماء، في المنطقة خمسة علماء.
فعلى المدرس ألا يمل الطلاب أو الحضور، ولا تنظر إلى عدد الحضور في المحاضرة وأن عددهم قليل، وأنت فتحت درساً ولم يحضر إلا عشرة طلاب فقط، لأن هناك فرق، وإن كنا نحث الإخوان جميعاً على العلم، لكن العلم فيه أخذ وعطاء بين الشيخ والطلاب، وفيه تفصيل في الأحكام، وفيه أشياء لو حضرها العامة لا يستفيدون، وهم معذورون إن لم يحضرو الدرس.
فيجب أن نحرص جميعاً على العلم، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين }.
فنسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفقهنا وإياكم في دينه، وأن يُعلمنا من كتابه وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما نعرف به الطريق إليه، وإلى أحكامه وشرعه، وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

نورس الحياة

الاداره العامه
إنضم
9 يوليو 2012
المشاركات
16,496
مستوى التفاعل
1,131
النقاط
0
العمر
49
بارك الله فيك على هذه الإضافة
جعلها الله ثقلاً في ميزان حسناتك
 

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,822
مستوى التفاعل
442
النقاط
0
الإقامة
الاردن
جزاك الله خير الجزاء
على الاختيار الرائع
اثابك الله اعالي الجنان

دمت بحفظ الله
 
إنضم
28 يونيو 2012
المشاركات
9,047
مستوى التفاعل
214
النقاط
0
جزاك الله كل خير

في ميزان حسناتك ان شاء الله
 

اولادي حياتي

كبار الشخصيات
إنضم
16 نوفمبر 2011
المشاركات
2,783
مستوى التفاعل
114
النقاط
0
العمر
46
الإقامة
عيون الطيبين
جزاك الله كل خير
 

متجاوب 2023

متجاوب 2023

أعلى