أثر البر والإحسان

متجاوب 2023

ريتال ابوشريخ

عضو متالق
إنضم
14 يوليو 2012
المشاركات
406
مستوى التفاعل
16
النقاط
0
الإقامة
الاردن
أثر البر والإحسان
(قصة واقعية نقلها أحد الحجاج عندما التقى بصاحبها في الحج وانتشرت في بعض المنتديات ، حاولت صياغتها مرة أخرى بأسلوبي مع كثير من التصرف الأسلوبي فقط مع المحافظة على المضمون)
(حدثني صاحبي عن صاحب القصة قال :
.................................................. ..
كانت لي أمنية غالية جدا ، كنت أحلم بها ليل نهار صباح مساء ، دائم الشوق إليها لا تغيب عن خاطري ، ولا تفارق مخيلتي غير أن أعباء الحياة وتكاليفها كانت سببا في عدم تحقيق هذه الأمنية .
ما أكثر ما لجأت إلى الله وتضرعت إليه ، كنت أقلب وجهي في السماء وأرفع يدي متوسلا إليه جلا وعلا أن يحقق لي هذه الأمنية ؛ نعم كنت أقلب وجهي في السماء فتنساب دموعي على خدي وأشعر بروحي كأنها تعرج إلى السماء فتفتح لها بابا بابا .
تلك الأمنية هي (حج بيت الله الحرام ) فكلما اقترب موعده تزداد نبضات قلبي حبا وتزداد روحي شوقا وأنا أرى جموع الحجيج تقصد مكة وفدا وفدا ؛ برا وبحرا وجوا واسمع صدى كلمات التلبية يتردد على مسامعي بعذوبة بالغة ولحن جذاب آسر .
فأعود إلى نفسي محاسبا إياها على تقصيرها قائلا لها :
أيتها النفس ماحجبك عن بيت الله الحرام إلا ذنوب ، وما قيدك إلا فتور همتك وما خلفك إلا تخلفك عن ذكر الله .
أيتها النفس ما أثقلك محملة بالأوزار والذنوب ، وما أجرأك على خالقك تبارزينه بالمعاصي ثم تزعمين أنك إلى بيت الله الحرام مشتاقة فما أجهلك وما أشد حماقتك .
أيتها النفس ما أشد غفلتك ، ولولا غفلتك هذه لكنت من الآن من الطآئفين حول البيت والركع السجود .
أتراك لو صدقت الله في نيتك أكان الله يخيب ظنك ؟!!
أما سمعت قول نبيك عن الله : (أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ماشاء ).
أترك لو شددت خيوط العزم وأنخت راحلة الشوق وتوكلت على الله أكان يرد مسعاك أو ينقض عزمك .
كلا – والله - أما سمعت قوله سبحانه : (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) .
وكنت كلما اقترب الوعد الحق وجاء يوم عرفة وشاهدت تلك الجموع تردد : (لبيك اللهم لبيك ؛ لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ...) كانت تزيدني تلك الكلمات شوقا وحسرة ،وتمر السنون والأعوام وأنا أرقب النذير يتسلل إلى إلي رويدا رويدا فأتذكر دعاء زكريا لربه : (رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا ) .
ولقد أصبحت أشعر الآن أن تحقيق هذه الأمنية أصبح أٌقرب من ذي قبل – خاصة- أن ربي قد وفقني لتزويج أبنائي– ولله الحمد - .
وفعلا فبعد سنوات تمكنت من توفير المبلغ اللازم لزيارة بيت الله الحرام ، ولك أن تتخيل مدى فرحتي بذلك .
لقد كانت فرحة لا تدركها العبارة ولا تبلغها الإشارة ومهما كتبت أو وصفت فلا يمكن أن أصور لك تلك الفرحة الغامرة ، فقد شعرت معها أن الكون كله يشهد فرحتي ، فها أنذا أنظر إليه وكأنه لبس حلة جديدة فهذه السماء أشعر أنها غير تلك السماء التي أراها كل يوم ؛ قمرها كأني به جاء ليكون بشير خير لي أنا فقط فهاهو يرسل أشعته فتحيط بالكون بهاء وجمالا .
وكأنما الشمس تشرق بأشعة غير تلك الأشعة التي عهدتها ، إنها أشعة تشرق الروح فتخرج أشعة الهداية لتكون نورا على نور يهدي الله لنوره من يشاء .
وتوجهت إلى مقر عملي حيث أعمل في مستشفى خاص معالجا فيزيائيا ، وأخذت الإذن بالسفر وودعت بعض زملائي الذين قد لا أتمكن من رؤيتهم قبل سفري .
وخرجت من المستشفى أطير على أجنحة الفرح ، وروحي تحلق في فضاء السعادة وما عدت أشعر بجثمانية جسدي لأنه قد تماهى في عالم الروح .
وهناك على باب المستشفى لمحت تلك المرأة التي تأخذ بيد ابنها المشلول الذي كان يتلقى علاجا في المستشفى ؛ فعجبت من أمرها كيف تأخذه وحالته تتحسن عندنا من يوم إلى آخر .
فأخذني الفضول لأسألها عن ذلك واقتربت منها متسائلا :
لم أخرجت ابنك وأنت تعلمين أنه يتحسن ولله الحمد ؟
أجابت باقتضاب شديد : لا أبدا ، لا شيئ
سألتها : أرأيت مركزا طبيا أحسن من مركزنا ؟
أجابت – أيضا – باقتضاب شديد : لا أبدا ، فشعرت من ملامح وجهها ومن نغمة صوتها أنها تخفي شيئا ما .
هنا زاد بي الفضول أكثر فرجعت إلى المسؤول الإداري في المستشفى وسألته عن سبب خروج هذه المرأة ؟
فأخبرني أن زوجها أنهيت خدماته ، ولا يستطيع دفع التكاليف اللازمة للعلاج .
أخذت نفسي وتوجهت إلى مدير المستشفى لعله أن يمنح هذا الولد فرصة للعلاج ولو لأسبوع آخر أو يكون هناك صندوق خيري في المستشفى نعالج به مثل هذه الحالات .
لكن مدير المستشفى أبدى أسفه وشكرني على همتي .
وخرجت من عنده وقد وقر في نفسي أن أبادر أنا لعلاج هذا الطفل ووقفت وقفة سريعة مع نفسي فليس لي إلا هذا المبلغ الذي خصصته للحج وقد أخذ مني جهدا لتوفيره .
وبدون أدنى تردد وجدت نفسي تدفعني دفعا لهذا العمل فتوجهت إلى محاسب المستشفى وسلمت له المبلغ كاملا وقلت له :
هذا المبلغ خصصته لعلاج ابن هذه المرأة ، فلا تخبر أحدا بذلك ويمكنك أن تقول لها :
إن المستشفى يخصص ميزانية لعلاج غير القادرين على دفع التكاليف .
وفعلا توجه إليها المحاسب لإخبارها وأنا أرقب المشهد عن قرب فيالله ، لقد عجزت المرأة عن الكلام وفاضت عيناها بالدمع وهي تحتضن ابنها ؛ بل لم تستطع أن تمسك نفسها فاجهشت باكية حتى أبكت الجميع ، فبكيت مع بكائها وأخذت نفسي وتوجهت إلى البيت لتقابلني زوجتي وهي تنظر إلي بدهشة متسائلة عن سر عودتي ناظرة إلى وجهي متغيرا من أثر الدموع .
أكل هذا فرحا بالحج ؟!!
والله إن وجهك ليزداد نضرة حتى لكأني أرى وجهي على خديك .
فقلت لها : لكني لن أحج .
فنظرت إلي باستغراب متسائلة عن سر ذلك :
فأخبرتها خبري وسردت لها قصة تلك المرأة فلم أكد أنهي حديثي حتى رأيتها تلهج بالدعاء لي مستبشرة بحسن ما صنعت مباركة لي هذا العمل ؛ فتذكرت وقتها موقف أم الدحداح لما أنفق أبو الدحداح حائطه كله لله على يد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عندما أجابته : ربح البيع أبا الدحداح وأخذت بيد أبنائها وخرجت من البستان .
وعشت مع زوجتي لحظات كأنما نحن نتذوق نعيما من نعيم الجنة ونسيت مع هذه اللحظة كل لحظات السعادة التي مرت بنا فلكأنما اختزلت سعادتنا كلها في هذه اللحظة ، حتى لو زادني ذلك شوقا هذه المرة إلى جنة الخلد دار النعيم والسلام المقيم .
وفي نفس تلك الليلة جاءني اتصال من مدير المستشفى طالبا من أن أخدمه خدمة لا ينساها لي أبدا .
فقلت : وما ذاك ؟
قال : لي صديق رجل أعمال كبير يحج كل عام وهو من أهل الخير ومعه كل عام طبيب يرافقه للحج ليشرف على بعض الأمور العلاجية التي يحتاجها .
غير أن مرافقه هذا العام اعتذر عن مرافقته لظرف خاص به .
فإن استطعت أن تخدمني هذه الخدمة وترافق هذا الرجل في حج هذا العام فإني لن أنسى لك هذا المعروف أبدا .
فبادرته بالسؤال : ويمكنني أن أحج معاه ؟!
قال لي : طبعا .
وهنا التفت إلى زوجتي وأنا أخاطب مدير المستفشى : لا مانع لدي واتفقت معه على أن ألتقي به غدا في المستشفى .
وأنهيت الاتصال وأنا غير مصدق ، وزوجتي ترى علي علامات الدهشة و الفرح والدموع ؛ لأبادرها قائلا :
الحمدلله ..الحمدلله فرجها ربي وسأحج .
وكيف : فأخبرتها الخبر فكانت فرحتها أشد من فرحتي فقد خرت ساجدة شكرا لله رب العاليمن .
.................................................. ......................
وفعلا تحركنا سويا في الموعد متوجهين إلى جدة ومن ثم إلى مكة لأداء مناسك الحج لعام 1431هـ ، وكنت على حالة من الفرح والسرور بأن وفقني الله لأداء المناسك لا يعلمها إلا الله ، ولم يكن خيال تلك المرأة ليفارقني طول الرحلة وهي تبكي وتتضرع إلى الله من قلبها أن يخلف على من كان سببا في بقاء ابنها في المستشفى لإكمال العلاج وكلما تذكرتها انشرح صدري لذلك العمل وحمدت الله على أن يسر لي عملا من أعمال البر والتقوى ، بل هو – والله – من أفضل أعمل البر .
كنت أتذكر تلك المرأة ودموعها تنهمر الدموع من عيني ويخفق قلبا فرحا وسرورا فينشرح صدري وأحس بسكينة لم أشعر بها من قبل .
فكان الشوق لرؤية الكعبة ممزوجا بالفرح لفرح تلك المرأة .
فتفكرت بالأمر فوجدت أن الله وفقني لذلك العمل كمقدمة لزيارة بيت الله .
وفي وسط ذلك الشعور الغامر بالسكينة والخشوع كانت لي جلسة مع رجل الأعمال الذي رافقته فكأنه يريد أن يقول لي :
لقد رأيت من أمرك عجبا في هذه الرحلة ، فما شأنك ؟
فتنهدت تنهيدة ونظرت إلى الكعبة نظرة خشوع وخضوع وفاضت عيناي بالدمع والتفت إلى صاحبي وبدأت أسرد له قصتي وهو غارق في التركيز مشدود الانتباه ، ينظر إلي نظرة إعجاب واندهاش تفيض عيناه بالدمع مع كل حدث من أحداث القصة فما إن انتهيت حتى كان قد أخذ في البكاء فأبكاني معه وتنزلت علينا السكينة في ذلك المكان الطاهر مالم نشعر بها من قبل .
فلم يلبث أن التفت إلي وقال :
وأنا من اليوم أتكفل بعلاج هذا الولد حتى الشفاء وأما المبلغ الذي دفعته أنت فسيرجع إليك ، وسأفتح صندوقا خيريا في المستشفى لعلاج المحتاجين ممن لا يقدر على دفع تكاليف العلاج .
وهنا لم أتمالك نفسي إلا أن أكبرت هذا الرجل على هذا العمل العظيم واحتضنته وأجهشنا جميعا في البكاء وكانت لحظة إيمانية روحية قل أن شعرت بمثلها .
وفي هذه اللحظة تذكرت كثيرا من آيات القرآن ، وتذكرت قول الله تعالى :
(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم)
(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيئ فإن الله به عليم )
وقول الله تعالى : (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) ورأيت – والله – كم هو اثر الإحسان الذي ينبع من نية صادقة حيث يمتد أثره وينمو؛ فالإحسان بذرة توضع بكف الإخلاص وتسقى بماء الصدق لتنمو كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ...
كما قال سبحانه :
(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )
 
إنضم
19 أغسطس 2010
المشاركات
14,684
مستوى التفاعل
389
النقاط
0
الله يجزاك كل خير
أختي على القصة
 
إنضم
28 يونيو 2012
المشاركات
9,047
مستوى التفاعل
214
النقاط
0
جزاكي الله كل خير ع القصه القيمه
 

متجاوب 2023

متجاوب 2023

أعلى