الجمع بين قوله تعالى(سنقرئك فلا تنسى) ونسيانه عليه السلام

متجاوب 2023

إنضم
13 فبراير 2011
المشاركات
9,059
مستوى التفاعل
498
النقاط
0
الإقامة
الاردن الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


السؤال :
يقول الله عز وجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى من القرآن شيئا : ( سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ) الأعلى/6-7 ، وهو اعتقاد أهل السنة والجماعة , لكن كيف نوفق بين الآية والحديث النبوي الشريف الذي يقول : ( يرحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية ، أسقطتها من سورة كذا وكذا ) متفق عليه ؟



الجواب :
الحمد لله
أولا :
قول الله عز وجل : ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) الأعلى/ 6، 7 ، هذا إخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعلمه هذا القرآن ويحفظه عليه فلا ينسى منه شيئا ، إلا ما شاء الله من رفعه ونسخه .

قال ابن جزي رحمه الله :
" هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعده الله أن يقرئه القرآن فلا ينساه ، وفي ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه كان أمياً لا يكتب ، وكان مع ذلك لا ينسى ما أقرأه جبريل عليه السلام من القرآن ، وقيل : معنى الآية كقوله : ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ) الآية : فإنه عليه الصلاة والسلام كان يحرك به لسانه إذا أقرأه جبريل ، خوفاً أن ينساه فضمن الله له أن لا ينساه ، وقيل : فلا تنسى نهي عن النسيان ، وقد علم الله أن ترك النسيان ليس في قدرة البشر ، فالمراد الأمر بتعاهده حتى لا ينساه ، وهذا بعيد لإثبات الألف في ( تنسى ) " .
انتهى من "التسهيل" (ص 2597) .

وقال السعدي رحمه الله :
" أي : سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب ، ونوعيه قلبك ، فلا تنسى منه شيئًا ، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، أن الله سيعلمه علمًا لا ينساه ، ( إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ) مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة " انتهى من " تفسير السعدي" (ص 920) .

فهذا هو النسيان الذي حُفظ عنه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهو نسيان الرفع فيما أُمر فيه بالبلاغ ، فهذا لا بد أن يذكره فلا ينساه ؛ حتى يكمل الدين وتتم النعمة .

ثانيا :
أما ما رواه البخاري (5038) ومسلم (788) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ : ( يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ) .

فهذا هو النسيان الجبلي الفطري الذي خُلق عليه آدم عليه السلام وبنوه ، وقد كان يقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك أحيانا ، وليس هو المقصود بقوله : ( سنقرئك فلا تنسى ) .

قال النووي رحمه الله :
" فيه دَلِيل عَلَى جَوَاز النِّسْيَان عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَدْ بَلَّغَهُ إِلَى الْأُمَّة " انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : النِّسْيَان مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآن يَكُون عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدهمَا : نِسْيَانه الَّذِي يَتَذَكَّرهُ عَنْ قُرْبٍ , وَذَلِكَ قَائِم بِالطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّة , وَعَلَيْهِ يَدُلّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي السَّهْو ( إِنَّمَا أَنَا بِشْر مِثْلكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ) .

وَالثَّانِي : أَنْ يَرْفَعهُ اللَّه عَنْ قَلْبه عَلَى إِرَادَة نَسْخِ تِلَاوَته , وَهُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى : ( سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه ) .

قَالَ : فَأَمَّا الْقِسْم الْأَوَّل فَعَارِض سَرِيع الزَّوَال لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .
وَأَمَّا الثَّانِي فَدَاخِل فِي قَوْله تَعَالَى : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا ) عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ أَوَّله مِنْ غَيْر هَمْزَة " انتهى .

وقال ابن باز رحمه الله :

" اتفقت الأمة على ‏أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة ، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم ، إلا شيئا قد ‏نسخ ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله _ صلى الله عليه وسلم _ أن يقرئه فلا ينسى ، إلا شيئاً ‏أراد الله أن ينسيه إياه ، وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره . قال تعالى . " سنقرئك فلا ‏تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى /6-7 ، وقال تعالى : ( إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (6/371 ) .

فالحاصل أن النسيان نوعان : نسيان رفع ونسخ وذهاب للمنسي بالكلية ، فهذا الذي حفظ منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا ينسى من القرآن ، إلا ما شاء الله أن ينسيه إياه مما أراد رفعه ونسخه ، وهو المراد بقوله تعالى :

( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) . وهذا الذي اتفق عليه أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع منه ذلك .

والنوع الثاني : نسيان جبلي فطري فهذا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا ، وهو المراد بقوله : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ) رواه البخاري (386) ومسلم (889) وقوله : ( يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ) ؛ وهذا لا محذرو فيه ، لأنه لا يخل بواجب الرسالة والبلاغ ، ما دامت الآية أو الشيء المنسي محفوظا في نفس الأمر ، ويعود النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتذكره من قريب ؛ ولهذا أدرك بنفسه صلى الله عليه وسلم ، كما في الحديث المذكور ، أنه نسي شيئا أثناء الصلاة ، ولم يذكره أحد به .
راجع إجابة السؤال رقم (42216) ، والسؤال رقم (127485) .
والله أعلم .


الإسلام سؤال وجواب
 

نورس الحياة

الاداره العامه
إنضم
9 يوليو 2012
المشاركات
16,496
مستوى التفاعل
1,131
النقاط
0
العمر
49
بارك الله فيك
ووهبك دعوة لا تُرد وسعادة بلا حد
دوما مميزة في الطرح القيم و الهادف
 
إنضم
13 فبراير 2011
المشاركات
9,059
مستوى التفاعل
498
النقاط
0
الإقامة
الاردن الحبيب
ولكما بالمثل
شاكرة لكما طيب المرور
 
إنضم
28 يونيو 2012
المشاركات
9,047
مستوى التفاعل
214
النقاط
0
بارك الله فيكي ع الطرح القيم

في ميزان حسناتك ان شاء الله
 

اولادي حياتي

كبار الشخصيات
إنضم
16 نوفمبر 2011
المشاركات
2,783
مستوى التفاعل
114
النقاط
0
العمر
46
الإقامة
عيون الطيبين
ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ
ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ
 

أبو همام

عضو vb
إنضم
30 يوليو 2011
المشاركات
13,240
مستوى التفاعل
578
النقاط
113
الإقامة
Tafila Hashemite
بارك الله فيكِ
وجزاااااااكِ كل خير
 

متجاوب 2023

متجاوب 2023

أعلى