كُنْ أبا خيثمة

متجاوب 2023

إنضم
13 فبراير 2011
المشاركات
9,059
مستوى التفاعل
498
النقاط
0
الإقامة
الاردن الحبيب
خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحاربة الروم في رجب من العام التاسع الهجري، في غزوة سميت بغزوة تبوك نسبة إلى عين ماء يقال لها تبوك، وعرفت كذلك بغزوة العُسْرة، لصعوبة وشدة الظروف التي وقعت فيها، من شدة الحر، وقلة الماء، وبُعْد المكان، وقلة المال والدواب، ويصف عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ذلك فيقول: " خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه "، وقال الله تعالى عن هذه الغزوة: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } (التوبة: 117) .

ورغم صعوبة وشدة هذه الغزوة فقد استجاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ، فنفروا للجهاد مسرعين، يسيرون في الصحراء المترامية، بين الحر الشديد ووعورة الطريق، لا يكترثون بوعثاء السفر، ولا يثنيهم عن غايتهم ما يحيط بهم من المتاعب، بل يَجدون في طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم ـ ما يذهب كل ألم ويزيل كل مشقة.
ومع ذلك فقد تخلف عن الخروج مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض المسلمين عن غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية .
وهناك الذين فترت - أول الأمر- هممهم، فلما جدّ الرحيل وانطلق الجيش أحسوا خطر التخلف على إيمانهم، فنهضوا يدركون ما يوشك أن يفوتهم، منهم : أبو خيثمة، قال ابن إسحاق عنهم : " نفر صدق لا يُتهم في إسلامهم، غير أن أبا خيثمة لحق برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ في تبوك " .

روى البيهقي في الدلائل، والطبراني، والواقدي، وابن كثير، وابن إسحاق في قصة أبي خيثمة ـ رضي الله عنه ـ: " .. ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيامًا إلى أهله في يوم حارّ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه (بستانه) قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعامًا, فلما دخل قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه، وما صنعتا له، فقال: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الضح (الشمس) والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد، وطعام مهيأ, وامرأة حسناء في ماله مقيم؟!، ما هذا بالنَصَف (العدل)، ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فهيِّئا لي زادًا، ففعلتا، ثم قدم ناضحه (جمله) فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عميرُ بن وهب الجمحي في الطريق، يطلب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبًا، فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ففعل حتى إذا دنا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو نازل بتبوك، قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كن أبا خيثمة ) , فقالوا: يا رسول الله, هو – والله - أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أوْلى لك يا أبا خيثمة، ثم أخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخبر، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيرًا، ودعا له بخير ) " .
قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك شعرًا, واسمه مالك بن قيس :

لما رأيت الناس في الدين نافقوا أتيت التي كانت أعفَّ وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمد فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما
تركت خضيبا في العريش وصرمة صفايا كرامًا يسرها قد تحمما
وكنت إذا شك المنافق أسمحت إلى الدين نفسي شطره حيث يمما

خضيبا : المرأة، وصرمة : جماعة النخل، صفايا : كثيرة الثمر، تحمما :اسود وطاب، أسمحت : انقادت .

هذه القصة فيها الكثير من الدلالات والعبر أهمها :

ـ حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقوله: ( كن أبا خيثمة ) يدل على معرفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأصحابه، ومعرفة خصال الرجال ومعادنهم .
ـ الدلالة على حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه، وحرصه عليهم، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال عنه ربه ـ عز وجل ـ : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) .
ـ توجيه صاحب الخطأ إذا أخطأ، إذ قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي خيثمة: ( أوْلى لك يا أبا خيثمة )، وهي كلمة فيها عتاب وتربية، ومعناها: دنوتَ من الهلكة، وكان الأجدر بك ألا تفعل ذلك، وهذا منهج نبوي كريم في تعليم القادة والمُرَبِّين عدم السكوت على الخطأ، لأن ذلك يضر صاحبه ويلحق الضرر بغيره، مع توجيه المخطيء برفق وحب ..

وفي قصة أبي خيثمة درس لكل مسلم، أن لا يتخلف أو يتردد عن عملٍ يقتضيه دينه، فالراحة والسعادة لا معنى ولا طعم لهما مع مخالفة أمر الله، أو أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالتخلف عن القيام بواجباتنا نقص في الإيمان، وخلل في الدين، لابد فيه من التوبة الصادقة مع الله، ولذلك سارع أبو خيثمة إلى إصلاح خطئه، فهذا سلوك المتقين الذين تمر عليهم لحظات ضعف يعودون بعدها أقوى إيمانا مما كانوا عليه إذا تذكروا وحاسبوا أنفسهم, وفي ذلك يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } (الأعراف: 201) ..
اسلام ويب
 

عطر الزهور

طاقم الادارة
إنضم
11 مايو 2012
المشاركات
8,766
مستوى التفاعل
159
النقاط
0
مشكورة ميس على الموضوع
وان شاء الله في ميزان حسناتك
 

نورس الحياة

الاداره العامه
إنضم
9 يوليو 2012
المشاركات
16,496
مستوى التفاعل
1,131
النقاط
0
العمر
49
بارك الله فيك ميس
ووهبك الجنة ونعيمها
وحقق لك آمانيكِ
 

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,822
مستوى التفاعل
442
النقاط
0
الإقامة
الاردن
جزاك الله خيرا.
وبارك الله بجهودك يعطيك ربي العافيه
... تقديري لك
 
إنضم
2 مايو 2012
المشاركات
4,185
مستوى التفاعل
168
النقاط
0
الإقامة
عمـان الحبيبة
في ميزآن حسنآتك أن شآء الله هذآ ألجهد ألقيم والطيب
يعطيك الف عافية يا غالية
 

أبو همام

عضو vb
إنضم
30 يوليو 2011
المشاركات
13,240
مستوى التفاعل
578
النقاط
113
الإقامة
Tafila Hashemite
جزآآآآكِ الله الجنـــه ونعيمها
وجعـــل كل ما تطرحين في ميزان حسناتكِ يا رب
 

متجاوب 2023

متجاوب 2023

أعلى